ـ نعم أعلنت المشروطية ، وانتشرت المطبوعات وتنبهت الأفكار فعلمنا الشيء الكثير ، والتفتنا إلى ما لم نكن نحلم به أو نهتم له ، وكان لهذا الاحتكاك في الآراء أثره. فخبرنا ما في العالم من أحداث أدّت إلى ما يزيل الغفلة ، وإلا فلم يعرض لحريتنا سوء ، فنرى في هذه الصفحات ما يعين الحالة ، ويميط اللثام عن درجة العلاقة بالأهلين ونواحي الاتصال بهم وانكشاف الأمر حتى لم يبق خفاء في العراق وغيره من الأحوال فذاعت مطالب قد تكون أوسع مما مر في عصور ، فكأن التاريخ تجمعت عصوره في هذه السنين ، زاد المطالعون ، وكثر القراء ، وانتشرت الجرائد والمجلات ، وزادت المدارس.
ولا شك أن المرء يتطلع إلى هذه الأيام التي ابتدأت بيوم إعلان المشروطية وهو يوم الحرية ، ويوم إطلاق القيود عن الأفكار ، وهو يوم استقلالها ، أو خروجها من قفص ضيق. كما أن الأهواء مالت إلى ما ترغب فيه ، وكل نال غرضه.
ولا شك أن الوقائع تميط اللثام عن الحالة بأمثلتها العديدة ، وعن الحزبيات وانتشارها ، وعن الآراء وتناطحها وهكذا. فظهرت الآراء الحرة. ولم تخل من فائدة ولا من انتباه ويقظة. إلا أن الأيام الأولى للمشروطية مضت والناس كان عليهم من الصعب جدا أن يفهموها إلا قليلا.
اتخذت الدولة هذا اليوم عيدا مليّا ، يحتفل به في كل سنة وتعاد ذكرياته كل عام ، ويجري له المهرجان في كل بلد وموطن ، وكانت قد قامت ثورة ضد الحرية ، ولكنها أخمدت بسرعة ، واستمرت فكرتها ورسخت في الأذهان إلا أننا نقول لم تقتصر فائدتها على الترك وحدهم بل إن العرب استفادوا منها أكثر من الأقوام الآخرين.
وكان تيّار معارض يكره الحرية ، ويظنها ضربة على الإسلام ،