وقيام الشعوب للمطالبة بحقوقها ، والمعارضة لسلوك الدولة.
ومن جهة أخرى إن الانتخابات لم تكن حرة ، وإنما عينت الحكومة من رأته موافقا لرغبتها ، وملائما لسياستها. فصارت تعقب طريقة (هذا من شيعته وهذا من عدوه) ودعا ذلك أحيانا إلى حل المجلس ، ودعوة النواب للمرة الأخرى. كما أن المجلس وافق الدولة لأحوال حزبية. وكانت أصابت الدولة وقائع منها حرب طرابلس الغرب ، وحرب البلقان ، فالحرب العامة مما دعا أن لا تكون حرية للنواب ، ولا طريقا للمحاسبة ..
وبعد أمد وجيز صار ميل النواب إلى التوظف وأن يحرزوا منصبا في الدولة أكبر راتبا من النيابة ، وبهذا أهملوا النيابة ، وتركوا النضال والجهاد في سبيل الإصلاح وزال أمل أنهم يكافحون للأمة وإنهاضها فخابت الآمال في الكثير منهم ، فكانوا قد فرّوا من ساحات مشرفة ، ورأوا الراحة بما يطمئن أغراضهم. ولعل الكثيرين قطعوا بأن لا جدوى من الإصلاح والسعي في طريقه فمالوا إلى الهدوء.
والنواب كانوا في الأغلب بوضع عدم مبالاة ، ونال الكثير منهم الغرور ، ومزاولة الخطابة بوجه ما مقبول أو غير مقبول ، فكثر الشغب ، وتولدت الحزبية والمماحكة ، وحدثت مناوشات كلامية واختلافات شخصية أدت أحيانا إلى الملاكمة. ولم يكن للمجلس نظام داخلي ، ولا سلوك مرضي ، فلم تدقق القوانين بسبب الجدل والمماحكة.
ثم إن المجلس فسخ بإرادة ملكية في ٢٨ المحرم سنة ١٣٣٠ ه على أن يجري الانتخاب الجديد. وهكذا توالت الانتخابات (١).
وكان قدّم المحامي رؤوف آل كتخدا في الدورة الأولى للمجلس
__________________
(١) (سالنماه ثروت فنون) ج ٢ ص ٣١٦ وج ٥ ص ٤٥.