وقبل الشروع في أصل المقصد أعدّ من الوظيفة التبريك لأهالي بغداد على ما أبدوه من المتانة والتأني وأظهروه من الاعتماد على الحكومة العثمانية ووقوفهم على صالح أعمالها وحسن أفعالها بمقصدها الأبوي ونظرها العلوي ليحصل الفرق بين جريان هذه المملكة في زمانه والجريان الذي ظهر ببعض الولايات المجاورة في غير أوانه.
فمن المعلوم المسلم عند العموم أن الترقي والتكامل لا يكون إلا تدريجيا فأي مملكة وأي ملّة حصلت على مساعدة فوق قابليتها وأكثر مما يتحمله عرفانها ولم تتأمل حاجاتها الحقيقة ولم تتبصر بما تمشيه من غلط الخطا فهي (لا سمح الله) تقع في هوّة لا تحمد عقباها ولا يسعها إذ ذاك تلافيها ، ومن يتحرك بخلاف هذه القاعدة الاجتماعية يكون قد ارتكب الخيانة لوطنه. والذي جرى في جهة منتهى غرب (روم إيلي) من الأحوال هو أصح دليل وأوضح برهان ولهذا المقصد اتخذت الحكومة السنية قرارات معقولة في غاية الإصابة ، وما ذاك إلا أن العثمانية المتشكلة من العناصر المختلفة وهي تحت مراقبة المجلس الملّي ووصايته الحافظة ونظارته الشفيقة صارت تتحرى الوسائل بالتدريج لتسير بإقدام التجربة وتنظر بعين البصيرة في طريق التكامل وسبل الترقي ، وقد أرسلت الآن قانون إدارة الولايات إلى مواضعه وسمحت فيه ببعض الامتيازات وأعطت المساعدات للمجالس العمومية في الولايات وقد أمرت بتطبيق اللسان المحلي في المكاتب والمحاكم بشرط أن يحافظوا على اللسان الرسمي للحكومة تأمينا للجامعة العثمانية خاصة.
فبناء على ذلك يجب على كل من يجب وطنه وقلبه مشحون بحس الحمية ورابطة الأخوة أن يكون معينا وظهيرا لتشبثات الحكومة وإجراءاتها بكمال الجد والصد وينتظر إن شاء الله باعتماد تام واطمئنان كامل عند ترقي عرفان الملة بأنها ستسمح لهم المساعدات المتناسبة مع عرفانهم ولا يعد هذا النوع من الاحتقار إذ هو عين الحقيقة فقد ذهب