حين عاب على الليث بالقراءات فقال :
(قال الليث : ومن قرأ : (وعبد الطاغوت) فمعناه صار الطاغوت يعبد ، كما يقال : فقه الرجل وظرف. قلت : غلط الليث في القراءة والتفسير. ما قرأ أحد من قُرَّاء الأمصار وغيرهم (وعبد الطاغوت) برفع الطاغوت ، إنما قرأ حمزة : (وعبد الطاغوت) وهي مهجورة أيضا.
قال الليث : ويقال للمشركين : هم عبدة الطاغوت. ويقال للمسلمين : عباد الله يعبدون الله. وذكر الليث أيضا قراءة أخرى ما قرأ بها أحد وهي (وعابدوا الطاغوت) جماعة.
وكان رحمهالله قليل المعرفة بالقراءات. وكان نوله ألّا يحكي القراءات الشاذّة ، وهو لا يحفظها والقارىء إذا قرأ بها جاهل وهذا دليل على أن إضافته كتابه إلى الخليل بن أحمد غير صحيح ، لأن الخليل كان أعقل وأورع. من أن يسمّي مثل هذه الحروف قراءات في القرآن ، ولا تكون محفوظة لقارىء مشهور من قرّاء الأمصار ، ودليل على أن الليث كان مغفّلا ونسأل الله التوفيق للصواب.
وقال الليث : يقال أعبَدني فلان فلانا أي ملّكني إيّاه.
قلت : والمعروف عند أهل اللغة : أعبدت فلانا أي استعبدته. ولست أنكر جواز ما ذكره الليث إن صحّ لثقة من الأئمة ، فإن السماع في اللغات أولى بنا من القول بالحَدْس والظنّ وابتداع قياسات لا تستمرّ ولا تطّرد).
ومما جاء في مادة (غ ت ت) في حديث :
«الحوض يغت فيه ميزابان مدادهما من الجنة» ، ـ قال الأزهري ـ : (وهكذا : سمعت من محمد بن إسحاق ، بضم الغين ، ومعنى يغت : يجري جريا له خرير وصوت. وقيل : يغط ، قال : ولا أدري ممن حفظ هذا التفسير ، ولو كان كما قال لقيل : يغت ويغط ، بكسر الغين. ومعنى يغت (بالضم) يتابع الدفق في الحوض لا ينقطع مأخوذ من غت الشارب الماء جرعا بعد جرع ونفسا بعد نفس من غير إبانة الإناء عن فيه)
ومن دقة الأزهري في الشرح والتوضيح أنه يفيض في بيان الدخيل والمعرب ، وأحيانا يحدد اللهجات وأمكنتها.
ومما يدل على رسوخ قدمه في البحث اللغوي ربطه القراءات بمعاني الكلمات اللغوية ، وتمييزه بذلك بين الصحيح منها والمردود. فمن هذا القبيل ما جاء في مادة «خ ط أ» : (نقل بعضهم قراءة بهمز الخطوات ، فقال : (خطؤات الشيطان) من الخطيئة وهي المأثم).