من الكتب التي اعتمدت عليهما ، وعلى من أراد أن يقف على اقتباسات «التهذيب» أو «اللسان» أو «التاج» عن الليث ، فليعلم أن المقصود بذلك كتاب «العين».
والظاهرة الفريدة في متن «التهذيب» أنه انتفع بالفترة التي قضاها بين القرامطة فشافه الأعراب الذين كانوا ما يزالون يتكلمون العربية بالسليقة ، ورأى بعينه أماكن المياه والجبال ، وشاهد النباتات ووصفها وصفاً دقيقاً ، فمن ذلك قوله في مادة (ح ن أ) : «الحناءتان رملتان في ديار بني تميم ، ورأيت في ديارهم ركية تدعى الحناءة ، وقد وردتها ، وماؤها في صفرة». وفي مادة (ث ر م د) : «ثرمداء : ماء لبني سعد في وادي الستارين وقد وردته ، يستقى منه بالعقال لقرب قعره».
وفي مادة (ح ف ر) : «والأحفار المعروفة في بلاد العرب ثلاثة : فمنها حفر أبي موسى ، وهي ركايا احتفرها أبو موسى الأشعري على جادة البصرة ، وقد نزلت بها واستقيت من ركاياها ، وهي ما بين ماوية والمنجشانيات. وركايا الحفر مستوية بعيدة القعر عذبة الماء. ومنها حفر سعد بن زيد مناة بن تميم وهي بحذاء العرمة وراء الدهناء يستقى منها بالسانية عند جبل من جبال الدهناء يقال له الحاضر».
وفي مادة (ب ع ل) : «وقد رأيت بناحية البيضاء من بلاد جذيمة عبد القيس نخلاً كثيراً عروقها راسخة في الماء. وهي مستغنية من السقي وعن ماء السماء تسمى بعلا».
وقد قال الأزهري بعد أن ذكر اختلاف آراء اللغويين في تحديد معنى النخل البعل ، فقال : «فرأيت أن أذكر لك أصناف النخل لتقف عليها».
وهكذا نرى الأزهري يعطينا المعلومات البكر وهو المنهج الذي ينادي به المستشرقون. فأبي منصور الأزهري كان من أسبق اللغويين لهذا المنهج قبل أن يظهر المستشرقون وقبل أن يُعرف الاستشراق ، وتراثنا العربي مملوء بالكثير من نماذج البحث العلمي الحديث ، ولكنها تحتاج إلى من يستكشفها.
وناحية أخرى فريدة في متن «التهذيب» وهي أنه حين ينقل عن الأقدمين الذين سبقوه فإنه يناقشهم ويدخل معهم في معارك لغوية طريفة ، مما يظهر لك بجلاء شخصية الأزهري في «التهذيب» ، فهو ليس سلبياً كغيره من المتأخرين ، فالسيوطي ـ مع جلالة قدره ـ يذكر لك في المسألة الواحدة في «المزهر» مثلا عدة آراء وبعضها يتضارب مع البعض الآخر ، ولكنك لا تكاد تخرج منها برأي السيوطي نفسه ، أو بترجيحه لبعضها. وابن منظور قد صرح في مقدمة «اللسان» بأنه جمع مواده من الأمهات اللغوية التي سبقته.
ومن الظواهر التي تثبت شخصية الأزهري القوية ورسوخ علمه ما جاء في التهذيب مادة (ع ب د) :