بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
الحمد لله الذي أنزل (الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) ، والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله الذي أرسله ربه (شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً).
وبعد ...
فإن للّغة سلطان وقداسة تستمدهما من وحي السماء ، أو من إجماع أهل الأرض. وقديما قالوا إنها توقيفية أوحى بها الله إلى عباده ليتفاهموا ويتعارفوا (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١].
ويزيدها قداسة أن تصبح لغة الدين والدنيا ، بها نزل القرآن وبها حفظ ، ونشأت حوله دراسات لغوية متنوعة.
وفي اختيار الله تعالى للغة العربية وعاء لكلامه ومجتلى لرسالته الخاتمة المعجزة الباقية مدى الدهر ، وأداة لتحديه المنكرين بالإعجاز القرآني ، ونصابا باهرا يرفع عليه المعجزة ويعلنها في معارض الخصام والمحاجة حول الأديان والمذاهب والآراء ... في هذا كله شهادة وأية شهادة على تفرد العربية باحتلال قمة البيان الإنساني ، وبقائها على الدهر بحيث أصبحت لغة قديمة وحديثة معا : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩]. ولقد عنى العرب عناية بالغة بجمع لغتهم وتسجيلها فتلقفها الرواة من البادية وأعدوا بذلك المادة الضرورية لوضع المعاجم اللغوية ، ولا نظن أن لغة ما ـ قديمة أو حديثة ـ توفر لها من المعاجم ما توفر للعربية. ففي القرن الثاني للهجرة افتتح الخليل بن أحمد عصر المعاجم الكبرى ، ثم تنافس اللغويون والنحاة بعده في تأليف معاجم مختلفة الحجم والمنهج. ولا يكاد يوجد قرن لم يوضع فيه معجم عربي جديد بل ربما وضع في القرن الواحد أكثر من معجم. ويعد القرن الرابع الهجري القرن الذهبي للمعاجم ، ففيه ظهر معجم ابن دريد (٣٢١ ه) ، والأزهري (٣٧٠ ه) والصاحب بن عباد (٣٨٥ ه) وابن فارس (٣٩٥ ه) ، والجوهري (٣٩٧ ه) وإذا كان قد فقد بعض المعاجم العربية ، فإن أغلبها