معجم تهذيب اللغة (١)
إن كتاب «تهذيب اللغة» لأبي منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري اللغوي ، (٢٨٢ ه ـ ٣٧٠ ه) ، يعد من أوثق المعاجم اللغوية في تاريخ المعجم العربي. ومن حسن حظ اللغة العربية أن هذا المعجم قد سلم من عاديات الزمن ، وأفلت من غارات التتار والترك والديلم على الشرق الإسلامي ، حين كانوا يحرقون المكتبات ويخربونها بغية القضاء على الثقافة العربية ، ومحو التراث العربي. ولكن أصالة اللغة العربية ووفرة مخطوطاتها كانت أقوى من ذلك ، فاستطاعت أن تقف أمام تلك العواصف وكان أن وصل إلينا كثير من المخطوطات النادرة التي تعد من عيون التراث العربي الخالد ، والتي منها مخطوط «التهذيب» الذي تداولته أيدي القراء والعلماء والمشتغلين بعلوم العربية ـ مخطوطا ـ ما يزيد على ألف عام ، ومنذ أن صنعه مؤلفه أبو منصور حتى اليوم ، بقي الكتاب محتفظا بقيمته المعجمية العالية ، وكفاة أصالة أنه كان المرجع الرئيسي والمعتمد الأول لابن منظور في كتابه «لسان العرب» (٢). وكان يشير إليه بعبارة «قال أبو منصور» أو «قال الأزهري» أو «قال
__________________
(١) انظر مجلة «مجمع اللغة العربية» (١٨ / ٧١ ـ ٧٨) ، (معجم «تهذيب اللغة» لأبي منصور الأزهري) ومقدمة الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي محقق كتاب «تهذيب اللغة» ، المستدرك على الأجزاء السابع والثامن والتاسع».
(٢) قال ابن منظور في مقدمة كتابه : «لا أدعي فيه دعوى ، فأقول : شافهت أو سمعت أو فعلت أو صنعت ، أو شددت الرحال أو رحلت أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت ؛ فكل هذه الدعاوي لم يترك فيها الأزهري وابن سيده لقائل مقالا ، ولم يخلّيا لأحد فيها مجالا ، فإنهما عينا في كتابيهما عمن رويا وبرهنا عمّا حويا ...».
وقد نشر المستشرق زوترستين) F.V.zetterstin (في كتاب.) ٥٤ : L eMondorientalvol ,XIV ,P (فصلة صغيرة من «التهذيب». وقد اعتمد فيما نشره على نسخة استانبول. وهذا القسم يحتوي على تصدير موجز للناشر وعلى مقدمة أبي منصور الأزهري نفسه ، وعلى بعض المواد من الأول إلى مادة «ع ث».
ونجد أن زوترستين كان مشغوفا إلى حد كبير بالبراعة التي أظهرها الأزهري في كتابه ، وبسعة اطلاعه ، ودقة شرحه ، الأمر الذي أصبح به «التهذيب» أصلا للسان.
ولتسلط هذه الفكرة على الناشر أثبت في هوامش التحقيق أرقام الصفحات المقابلة من «اللسان» التي اقتبس فيها ابن منظور عن الأزهري دون أن يشير إلى ذلك صراحة ، حتى يرينا إلى أي حد كان اعتماد «اللسان» على «التهذيب» ، وبالتالي فقد كان «اللسان» عمدة لما ظهر بعده من المعجمات.