في التهذيب».
والحق أن الأزهري في شرحه للمفردات اللغوية قد أظهر دقة وبراعة في توضيح المعنى وتفسير ما أشكل من مصطلحات العلوم ، وبخاصة في التفسير والفقه والنحو والتصريف. كما كان في وصفه للأشياء يحدثنا حديث المشاهد المعاين. وقد اكتسب هذه الخبرة من الفترة التي قضاها أسيرا في يد القرامطة حين خرجوا على الدولة وتعرضوا للحجاج ونقلوا الحجر الأسود وبقي في حوزتهم عشرين عاما.
وإذا كان وقوع الأزهري في الأسر يعتبر بالنسبة له نكبة ، فقد كان لهذه النكبة فضل كبير على اللغة العربية وحفظها ، فقد وقع الأزهري في يد عرب خلص نشئوا في البادية يتتبعون مساقط الغيث ويتكلمون بطباعهم البدوية ولا يكاد يوجد في منطقهم لحن أو خطأ فاحش ، وقد استفاد الأزهري من مخاطبتهم ومحاورة بعضهم بعضا (١).
وكثيرا ما يحدثنا التاريخ بأن عددا لا بأس به من عظماء الرجال قد دونوا مذكراتهم في أيام سجنهم ، أو منفاهم ولا مبالغة حين نعد أبا منصور الأزهري واحدا من هؤلاء الرجال.
منهج التهذيب :
اتبع الأزهري في «تهذيب اللغة» حين بوبه ورتب حروفه ، منهج كتاب «العين» للخليل بن أحمد افراهيدي ، وهو المنهج الذي يتضح في المبادىء الآتية (٢).
١ ـ رتب الأبجدية العربية ترتيبا «صوتيا» فبدأ بحروف الحلق ، وجعل أولها العين ، ثم انتهى بالحروف الشفهية وهي الفاء والباء والميم.
٢ ـ جعل حروف العلة قسما قائما بنفسه ، ومن ضمنها الهمزة لأنها يتناولها التغيير والحذف أحيانا مثل حروف العلة.
٣ ـ جعل كل حرف من حروف الأبجدية «الصوتية» مقسما إلى هذه الأقسام بالترتيب :
(أ) الثنائي الصحيح.
(ب) الثلاثي الصحيح.
__________________
(١) انظر «وفيات الأعيان» (١ / ٦٣٥).
(٢) انظر كتاب «المعاجم العربية» ، (ص : ١٧ وما بعدها) ، للدكتور عبد الله درويش.