في كتابه «المُؤَلَّف في غريب الحديث» الحَسَبُ : الفَعَال الحَسَنُ له ولآبائه مأخوذ من الحِسَاب إذا حَسَبُوا مناقبهم ، وقال المُتَلمِّس :
ومَنْ كان ذَا أَصْلٍ كريم ولم يكن |
له حَسَبٌ كان اللئيمَ المُذَمَّما |
ففرّق بين الحسَب والنَّسَب ، فجعل النسب عدد الآباء والأمهات إلى حيث انتهى ، والحَسَبُ : الفَعَالُ مثل الشجاعة والجود وحُسْنِ الخُلُق والوفاء.
قلت : وهذا الذي قاله شَمِر صحيح ، وإنَّما سُمِّيت مَسَاعِي الرجل ومآثِرُ آبَائِه حَسَباً : لأنهم كانوا إذا تفاخَرُوا عَدَّ المُفَاخِرُ منهم مناقِبَه ومآثِرَ آبائِه وحَسَبَها ، فالحَسْبُ : العَدُّ والإحصاء ، والحَسَبُ : ما عُدَّ ، وكذلك العَدُّ مصدر عَدَّ يعُدُّ ، والمعدود عددٌ.
وحدّثني محمد بن إسحاق عن علي بن خَشْرَم عن مُجَالد عن عمرو عن مسروق عن عُمَر أنّه قال : «حَسَبُ المرء دينُه ، ومروءتُه خُلُقه ، وأصله عَقْلُه» ، قال :وحَدَّثنا الحُسَيْنُ بن الفَرج عن إبراهيم بن شمَّاسٍ عن مُسْلِم بن خَالِد ، عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال :
«كَرَمُ المرء دِينُه ، ومُرُوءَتُه عَقْلُه ، وحَسَبُهُ خُلُقُهُ».
الحَرّاني عن ابن السكيت قال : الشرفُ والمجد لا يكونان إلا بالآباء. يقال : رجل شريف ، ورَجُلٌ ماجِد : له آباء متقدمون في الشرف. قال : والحَسَبُ والكرم يكونان في الرَّجُل وإن لم يكن له آباء لهم شرَفٌ. ويقال : رجل حَسِيب.
ورجل كَرِيمٌ بنفسه. قلت : أراد أن الحَسَب يحصل للرجل بكرم أخلاقِه وإن لم يكن له نسب ، وإذا كان حسيب الآباء فهو أكرم له.
ابن بزُرْج قال : الحَسِيبُ عندنا من الرجال : السخِيُّ الجَوادُ فذلك الحسيبُ ، ولا يقال لذي الأصْلِ والصَّليبة البخيل حسيب.
قلت : يقال للسَّخِيِّ الجَوادِ حَسِيب. وللذي يَكْثُر أهل بيته من البنين والأهل حسيب وإنما سُمّي حَسيباً لكثرة عدده. وسُمِّي الجواد حسيباً لعدد مآثره ومنابته وكريم أخلاقه ، وبكل ذلك نطقت السُّنَن وجاءت الأخبار ، ويبين ذلك ما حدّثنا السعدي عن الجرجاني عن عبد الرزاق عن مَعْمر عن الزهري عن عروة أَنَّ هَوَازِنَ أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : أنت أبرُّ الناس وأوصلُهم وقد سُبِيَ أبناؤُنا ونِساؤُنا وأُخِذَتْ أَمْوَالُنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اختاروا إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إما المالَ ، وإما البَنِينَ» ، فقالوا : أما إذ خيَّرتنا بين المال وبين الحسَب فإنا نَخْتَارُ الحسَب ، فاختاروا أبناءَهم ونساءَهم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنا خَيَّرنَاهُم بين المالِ والأحْساب فلم يَعْدِلوا بالأَحْساب شيئاً» ، فأطلق لهم السَّبيَ.
قلت : وبيّن هذا الحديث أن عدد أهل البيت يُسَمَّى حَسَباً.
وقال الليث : الحَسَبُ : قدرُ الشيءِ كقولك : على حسَبِ ما أسْدَيْت إليَ