إلى قوله تعالى : ( ومن الليل فسبحه وأدبار السّجود ) (١). فإننا نستشعر هذا الأمر بقلوبنا قبل الأسماع ، هادئاً ناعماً متناسقاً ، وهو يدعو إلى تسبيح الله وتقديسه آناء الليل وأطرف النهار.
وحينما نستمع إلى قوله تعالى : ( نصر من الله وفتح قريب ) (٢). فإن العزائم تهب على هذا الصوت المدوي ، بإعلان النصر لنبيه ، والفتح أمام زحفه ، فتعم البشائر ، وتتعالى البهجة.
وحينما نستمع إلى قوله تعالى : ( لن تنالوا البّر حتا تنفقوا ممّا تحبّون ) (٣). فالصوت الرفيق هذا يمس الاسماع مساً رفيقاً حيناً ، ويوقظ الضمائر من غفلتها حيناً آخر ، وهو يستدر كرم المخائل ، ويوجه مسيرة التعاطف ، ويسدد مراصد الانفاق ، والمسلم الحقيقي يسعى إلى البر الواقعي فأين مواطنه؟ إنه الانفاق مما يحب ، والعطاء مما يحدب عليه ، والفضل بأعز الأشياء لديه ، وبذلك ينال البر الذي ما فوقه بر.
وحينما نستمع إلى قوله تعالى : ( أرءيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم ) (٤). وتمد الفتحة لتكون ألف إطلاق ، وتصبح في غير القرآن ( اليتيما ) فإنك تقف عند بحر الخفيف من الشعر ، وهو من الأوزان الراقصة ، تقف عند صرخة مدوّية ، وجلجلة متأججة تقارن بين التكذيب بيوم القيامة ، وبين دع اليتيم في معاملته بخشونة وصده بجفاف وغلظة.
هذه النماذج الخيرة التي تبركنا بإيرادها ، والتي تنبه من الغفوة والغفلة ، وتدفع إلى الاعتبار والعظة ، وتزيد من البصيرة والتدبر ، قد أضفى عليها الملحظ الصوتي موسيقاه الخاصة ، فعاد القول بصوتيتها من جملة أسرارها الجمالية ، والتأكيد على تناغمها الإيقاعي من أبرز ملامحها الفنية.
هذه ميزة ناصعة من مزايا فواصل الآيات باعتبار العبارات.
__________________
(١) ق : ٤٠. (٢) الصف : ١٣. |
(٣) آل عمران : ٩٢. (٤) الماعون : ١ ـ ٢. |