الخاص باسم التذبذب » (١).
أستطيع القول من خلال النص المتقدم دون مبالغة أو تردد : إن هذا النص يكاد أن يكون ترجمة عصرية لرأي ابن جني في تشبيهه جهاز الصوت لدى التذبذب في إخراج الأصوات بالمزمار ، الذي أصبح اليوم نقطة انطلاق الأصوات باعتباره فراغاً يحاط بالوترين الصوتين ، إذ لم يكن هناك بد عند ابن جني من تلمس جهاز ملموس للاستدلال من خلاله على قضية يصعب الاستدلال عليها في عصره دون النظر إلى ذلك الجهاز ، أما التشبيه الذي عاد اليوم مظنة لمساحة نطقية قرب الحنجرة ، فإنه قد لوّن بصبغة خاضعة لعلم التشريح ، وليس عصر ابن جني عصر تشريح ، ولا هو بمتخصص فيه مع فرض وجود أوليات الموضوع. لذلك جاءت هذه الترجمة معبرة عن رأيه ، أو كاشفة عن تخطيطه تلقائياً ، وحاكية لتشبيهه تمثيلياً ، والأمر المنتزع من الحس ، إذ أقيم عليه الدليل الفعلي ، كان مقارباً للأفهام ، ومسايراً لحركة التفكير.
لقد كان ابن جني موضوعياً في صفة الجهاز المتنقل في الأصوات مما جعله في عداد المؤسسين.
ويتمرس ابن جني بعض الحقائق الصوتية ، ولكنه يعرضها بحذر ويقظة ، وقد ينسبها إلى بعض الناس ، وما يدرينا فلعلها له لأنه من بعضهم ، إلا أن له وجهة نظر قد تمنعه من التصريح بها لأسباب عقيدية ، قد لا يسيغها المناخ الاجتماعي في نظره وإن كانت واقعاً.
فهو يتحدث عن صدى الصوت في بداية تكوين اللغة ، وأثر المسموعات الصوتية في نشوء الأصوات الإنسانية ، وهو ينقل ذلك عن بعضهم ، ولكنه يذهب إليه باعتباره مذهباً متقبلاً ، ووجهاً صالحاً للتعليل ، دعماً لنظريته الصوتية التي يربط بها الأشباه والنظائر ، ويحشد لها الدلائل والبراهين ، فيقول :
__________________
(١) المرجع السابق : ٤٧ وما بعدها باختصار.