والجهة الثانية أنّ الحذف في الحروف بعيد جدّا ، لأنّه نوع من التصرّف ، والحروف لا تصرّف لها ، لعدم اشتقاقها وتصرّفها. ولذلك حكم (١) على ألفاتها كلّها بأنها أصل ، نحو «ما» و «لا». وأمر آخر وهو أنّ هذه الحروف وضعت اختصارا ، لتنوب عن الأفعال ، وتدلّ على معانيها ؛ ألا ترى أنّ همزة الاستفهام قد أغنت عن «أستفهم» ، وكذلك «ما» أغنت عن «أنفي». فلو اختصرت هذه الحروف ، وحذفت منها شيئا ، لكان اختصارا لمختصر ، وهو إجحاف.
فلذلك بعد الحذف فيها ، ووجب إقرارها على ما هي عليه ، لعدم الدلالة على المحذوف (٢). والذي حسّنه قليلا بقاء الفتحة دلالة على الألف المحذوفة ، إذ لو لم يكن ثمّ محذوف لكانت الميم ساكنة ، نحو «أم» في العطف ، و «هل» و «بل». فلمّا تحرّكت من غير علّة علم أنّ ثمّة (٣) محذوفا مرادا. هذا مع ما في حذفها من التخفيف ، فإنّ الألف ، وإن كانت خفيفة بالنسبة إلى الواو والياء ، فلا إشكال في كون حذفها أخفّ من وجودها.
__________________
(١) في الأصل : لم يحكم.
(٢) ش : الحذف.
(٣) ش : ثمّ.