انظر إلى الكلمة «أياد» فى قول المتنبى ؛ أتظن أنه أراد بها الأيدى الحقيقية؟ لا. إنه يريد بها النّعم ، فكلمة أياد هنا مجاز ، ولكن هل ترى بين الأيدى والنعم مشابهة؟ لا. فما العلاقة إذا بعد أن عرفت فيما سبق من الدروس أن لكل مجاز علاقة ، وأن العربى لا يرسل كلمة فى غير معناها إلا بعد وجود صلة وعلاقة بين المعنيين؟ تأمل تجد أنّ اليد الحقيقية هى التى تمنح النعم فهى سبب فيها ، فالعلاقة إذا السببية وهذا كثير شائع فى لغة العرب.
ثم انظر إلى قوله تعالى : «وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً» ؛ الرزق لا ينزل من السماء ولكن الذى ينزل مطر ينشأ عنه النبات الذى منه طعامنا ورزقنا ، فالرزق مسبب عن المطر ، فهو مجاز علاقته المسببية. أما كلمة «العيون» فى البيت فالمراد بها الجواسيس ، ومن الهيّن أن تفهم أن استعمالها فى ذلك مجازىّ ، والعلاقة أن العين جزء من الجاسوس ولها شأن كبير فيه فأطلق الجزء وأريد الكل : ولذلك يقال إن العلاقة هنا الجزئية.
وإذا نظرت فى قوله تعالى : (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) رأيت أن الإنسان لا يستطيع أن يضع إصبعه كلها فى أذنه ، وأن الأصابع فى الآية الكريمة أطلقت وأريد أطرافها فهى مجاز علاقته الكلية.
ثم تأمل قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) تجد أن اليتيم فى اللغة هو الصغير الذى مات أبوه ، فهل تظن أن الله سبحانه يأمر بإعطاء اليتامى الصغار أموال آبائهم؟ هذا غير معقول ، بل الواقع أن الله يأمر بإعطاء الأموال من وصلوا سن الرّشد بعد أن كانوا يتامى ، فكلمة اليتامى هنا مجاز لأنها استعملت فى الراشدين والعلاقة اعتبار ما كان.
ثم انظر إلى قوله تعالى : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) تجد أن فاجرا وكفارا مجازان لأن المولود حين يولد لا يكون فاجرا ولا كفارا ،