وكان هشام أحول فأمر بحبسه.
ومدح جرير (١) عبد الملك بن مروان بقصيدة مطلعها :
«أتصحو أم فؤادك غير صاح» فاستنكر عبد الملك هذا الابتداء وقال له : بل فؤادك أنت.
ونعى علماء الأدب على البحترى (٢) أن يبدأ قصيدة ينشدها أمام ممدوحه بقوله :
«لك الويل من ليل تقاصر آخره».
وعابوا على المتنبى قوله فى رثاء أمّ سيف الدولة (٣) :
صلاة الله خالقنا حنوط |
|
على الوجه المكفّن بالجمال (٤) |
قال ابن وكيع (٥) : إن وصفه أمّ الملك بجمال الوجه غير مختار.
وفى الحق أن المتنبى كان جريئا فى مخاطبة الملوك ، ولعلّ لعظم نفسه وعبقريّته شأنا فى هذا الشذوذ.
إذن لا بدّ للبليغ أولا من التفكير فى المعانى التى تجيش فى نفسه ، وهذه يجب أن تكون صادقة ذات قيمة وقوة يظهر فيها أثر الابتكار
__________________
(١) جرير : هو ابن عطية التميمى ، أحد الشعراء الثلاثة المقدمين فى دولة بنى أمية ، وهم الأخطل ، وجرير ، والفرزدق ، وقد فاق صاحبيه فى بعض فنون الشعر ، وتوفى سنة ١١٠ ه
(٢) البحترى شاعر مطبوع من شعراء الدولة العباسية ، سئل أبو العلاء المعرى : من أشعر الثلاثة ، أبو تمام أم البحترى أم المتنبى؟ فقال : أبو تمام والمتنبى حكيمان ، وإنما الشاعر البحترى. وكانت ولادته بمنبج (وهى بلدة قديمة بين حلب والفرات) ، وتوفى بها سنة ٢٨٤ ه.
(٣) سيف الدولة : هو أبو الحسن على بن عبد الله بن حمدان ، كان ملكا على حلب ، وكان أديبا شاعرا مجيدا محبا لجيد الشعر شديد الاهتزاز له ؛ قيل لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من الشعراء ، وقد انقطع المتنبى إليه وخصه بمدائحه. وكانت ولادته سنة ٣٠٣ ه وهى سنة ولادة المتنبى ، ووفاته سنة ٣٥٦ ه بعد مقتل المتنبى بسنتين.
(٤) الصلاة : الرحمة ، والحنوط : طيب يخلط الميت. يدعو لها بأن تكون رحمة الله لها بمنزلة الحنوط للميت. (٥) ابن وكيع : شاعر مجيد ، أصله من بغداد ، ولد فى تنيس بمصر وتوفى بها سنة ٣٩٣ ه وله ديوان شعر.