عظيم فى قومه ، جواد ، فعدلت عن التصريح بهذه الصفات إلى الإشارة إليها والكناية عنها ، لأنه يلزم من طول حمالة السيف طول صاحبه ، ويلزم من طول الجسم الشجاعة عادة ، ثم إنه يلزم من كونه رفيع العماد أن يكون عظيم المكانة فى قومه وعشيرته ، كما أنه يلزم من كثرة الرّماد كثرة حرق الحطب ، ثم كثرة الطبخ ، ثم كثرة الضيوف ، ثم الكرم ، ولما كان كل تركيب من التراكيب السابقة ، وهى بعيدة مهوى القرط ، وطويل النجاد ، ورفيع العماد ، وكثير الرماد ، كنى به عن صفة لازمة لمعناه ، كان كل تركيب من هذه وما يشبهه كناية عن صفة.
وفى المثال الثالث أراد الشاعر أن يقول : إن اللغة العربية وجدت فيك أيتها المدرسة مكانا يذكرها بعهد بدواتها. فعدل عن التصريح باسم اللغة العربية إلى تركيب يشير إليها ويعدّ كناية عنها وهو «بنت عدنان».
وفى المثال الرابع أراد الشاعر وصف ممدوحيه بأنهم يطعنون القلوب وقت الحرب فانصرف عن التعبير بالقلوب إلى ما هو أملح وأوقع فى النفس وهو «مجامع الأضغان» ؛ لأن القلوب تفهم منه إذ هى مجتمع الحقد والبغض والحسد وغيرها.
وإذا تأملت هذين التركيبين وهما : «بنت عدنان» و «مجامع الأضغان» رأيت أن كلّا منهما كنى به عن ذات لازمة لمعناه ، لذلك كان كل منهما كناية عن موصوف وكذلك كل تركيب يماثلهما.
أما فى المثال الأخير فإنك أردت أن تنسب المجد والكرم إلى من تخاطبه ، فعدلت عن نسبتهما إليه مباشرة ونسبتهما إلى ما له اتصال به ، وهو الثوبان والبردان ، ويسمى هذا المثال وما يشبهه كناية عن نسبة. وأظهر علامة لهذه الكناية أن يصرح فيها بالصفة كما رأيت ، أو بما يستلزم الصفة ، نحو : فى ثوبيه أسد ، فإن هذا المثال كناية عن نسبة الشجاعة.
وإذا رجعت إلى أمثلة الكناية السابقة رأيت أن منها ما يجوز فيه إرادة المعنى الحقيقى الذى يفهم من صريح اللفظ ، ومنها ما لا يجوز فيه ذلك.