التى بين يديك تجرى جميعها على هذا النحو من الأساليب.
(٢) الأسلوب الأدبى : والجمال أبرز صفاته ، وأظهر مميّزاته ، ومنشأ جماله ما فيه من خيال رائع ، وتصوير دقيق ، وتلمّس لوجوه الشبه البعيدة بين الأشياء ، وإلباس المعنوىّ ثوب المحسوس ، وإظهار المحسوس فى صورة المعنوىّ.
فالمتنبى لا يرى الحمّى الراجعة كما يراها الأطباء أثرا لجراثيم تدخل الجسم ، فترفع حرارته ، وتسبب رعدة وقشعريرة. حتى إذا فرغت نوبتها تصبّب الجسم عرقا ، ولكنه يصوّرها كما تراها فى الأبيات الآتية :
وزائرتى كأنّ بها حياء |
|
فليس تزور إلّا فى الظّلام (١) |
بذلت لها المطارف والحشايا |
|
فعافتها وباتت فى عظامى (٢) |
يضيق الجلد عن نفسى وعنها |
|
فتوسعه بأنواع السّقام (٣) |
كأنّ الصبح يطردها فتجرى |
|
مدامعها بأربعة سجام |
أراقب وقتها من غير شوق |
|
مراقبة المشوق المستهام (٤) |
ويصدق وعدها والصّدق شرّ |
|
إذا ألقاك فى الكرب العظام (٥) |
أبنت الدّهر عندى كلّ بنت |
|
فكيف وصلت أنت من الزّحام؟ (٦) |
والغيوم لا يراها ابن الخياط (٧) كما يراها العالم بخارا متراكما يحول
__________________
(١) الواو واو رب أى رب زائرة لى ، يريد بهذه الزائرة الحمى وكانت تأتيه ليلا ، يقول : كأنها فتاة ذات حياء ؛ فهى تزورنى تحت سواد الليل.
(٢) المطارف : جمع مطرف كمكرم وهو رداء من خز ، الحشايا : جمع حشية وهى الفراش المحشو ، وعافتها : أبتها. يقول هذه الزائرة أى الحمى لا تبيت فى الفراش ، وإنما تبيت فى العظام.
(٣) يقول : جلدى يضيق عن أن بسع أنفاسى ويسعها ، فهى تذيب جسمى وتوسع جلدى بما تصيبه به من أنواع السقام.
(٤) يقول إنه يراقب وقت زيارتها خوفا لا شوقا.
(٥) يريد بوعدها وقت زيارتها ، ويقول إنها صادقة الوعد لأنها لا تتخلف عن ميقاتها ، وذلك الصدق شر ، لأنها تصدق فيما يضر.
(٦) يريد ببنت الدهر الحمى ، وبنات الدهر شدائده ، يقول للحمى : عندى كل نوع من أنواع الشدائد ، فكيف لم يمنعك ازدحامهن من الوصول إلى؟
(٧) ابن الخياط : شاعر من أهل دمشق ، طاف بالبلاد يمتدح الناس ، وعظمت شهرته. وله ديوان شعر مشهور ، توفى بدمشق سنة ٥١٧ ه.