(٥) وأوصى عبد الله بن عبّاس (١) رجلا فقال :
لا تتكلّم بما لا يعنيك ، ودع الكلام فى كثير ممّا يعنيك حتّى تجد له موضعا.
(٦) وقال أبو الطيب :
لا تلق دهرك إلّا غير مكترث |
|
ما دام يصحب فيه روحك البدن (٢) |
البحث :
يخبرنا أبو إسحاق الغزّىّ بأن أبا الطيب المتنبى هو الذى نشر فضائل سيف الدولة بن حمدان وأذاعها بين الناس. ويقول : لو لا أبو الطيب ما ذاعت شهرة هذا الأمير ، ولا عرف الناس من شمائله كل الذى عرفوه ، وهذا قول يحتمل أن يكون الغزىّ صادقا فيه كما يحتمل أن يكون كاذبا ؛ فهو صادق إن كان قوله مطابقا للواقع ، كاذب إن كان قوله غير مطابق للواقع.
والمتنبى فى المثال الثانى يخبر عن نفسه بأنه قانع راض بحاله التى هو فيها ، فليس من عادته أن يتطلع مستشرفا إلى ما هو آت ، وليس من دأبه أن يندم على ما فات ، ومن المحتمل أن يكون كاذبا غير صادق.
كذلك يجوز أن يكون أبو العتاهية فى المثال الثالث صادقا فيما قال وادعى ، ويجوز أن يكون غير صادق :
انظر بعد ذلك إلى المثال الرابع تجد قائله ينادى ولده ويأمره أن يتعلم حسن الحديث ، وذلك كلام لا يصحّ أن يقال لقائله إنه صادق فيه أو كاذب ؛ لأنه لا يعلمنا بحصول شىء أو عدم حصوله ، وإنما هو ينادى ويأمر.
__________________
(١) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، أحد أكابر الصحابة فى العلم سمى بالحبر لسعة علمه ، ومات بالطائف سنة ٦٨ ه.
(٢) يقول : لا تبال الزمان وصروفه ما دمت حيا ؛ فإن الشدة والرخاء يتعاقبان فيه على الحى ، فلا يأس مع الحياة.