كذلك لا يصح أن يتّصف عبد الله بن عباس فى المثال الخامس ، والمتنبى فى المثال السادس بالصدق أو الكذب ، لأن كلّا منهما لا يخبر عن حصول شىء أو عدم حصوله ، ولو أنك تتبعت جميع الكلام لوجدته لا يخرج عن هذين النوعين ، ويسمّى النوع الأول خبرا والنوع الثانى إنشاء.
انظر بعد ذلك إلى الجمل فى الأمثلة السابقة أو فى غيرها تجد كل جملة مكونة من ركنين أساسيّين هما المحكوم عليه والمحكوم به ، ويسمى الأول مسندا إليه والثانى مسندا أماما عداهما فهو «قيد» فى الجملة وليس ركنا أساسيا.
القواعد :
(٢٨) الكلام قسمان : خبر وإنشاء :
(ا) فالخبر ما يصحّ أن يقال لقائله إنّه صادق فيه أو كاذب ، فإن كان الكلام مطابقا للواقع كان قائله صادقا ، وإن كان غير مطابق له كان قائله كاذبا (١).
(ب) والإنشاء ما لا يصحّ أن يقال لقائله إنّه صادق فيه أو كاذب.
(٢٩) لكلّ جملة من جمل الخبر والإنشاء ركنان : محكوم عليه ،
__________________
(١) الخبر إما جملة اسمية وإما جملة فعلية ، فالجملة الاسمية تفيد بأصل وضعها ثبوت شىء لشىء ليس غير ، فإذا قلت : الهواء معتدل لم يفهم من ذلك سوى ثبوت الاعتدال للهواء من غير نظر إلى حدوث أو استمرار ، وقد يكتنفها من القرائن ما يخرجها عن أصل وضعها فتفيد الدوام والاستمرار كأن يكون الكلام فى معرض المدح أو الذم ، ومن ذلك قوله تعالى : «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».
أما الجملة الفعلية فموضوعة لإفادة الحدوث فى زمن معين مع الاختصار ، فإذا قلت : «أمطرت السماء» لم يستفد السامع من ذلك إلا حدوث الإمطار فى الزمن الماضى ، وقد تفيد الاستمرار التجددى بالقرائن كما فى قول المتنبى :
تدبر شرق الأرض والغرب كفه |
|
وليس لها يوما عن المجد شاغل |
فإن المدح قرينة دالة على أن التدبير أمر مستمر متجدد آنا فآنا.
والجملة الاسمية لا تفيد الثبوت بأصل وضعها ولا الاستمرار بالقرائن ، إلا إذا كان خبرها مفردا أو جملة اسمية ، أما إذا كان خبرها جملة فعلية فإنها تفيد التجدد.