المعمور ، لا تعدل سارحتكم (١) ، ولا تعدّ فاردتكم (٢) ولا يحظر عليكم النّبات ، تقيمون الصلاة لوقتها وتؤدون الزكاة ، عليكم بذلك عهد الله وميثاقه».
وتكون مطابقة الكلام لمقتضى الحال أيضا فيما يتصرف فيه القائل من إيجاز وإطناب : فللإيجاز مواطنه ، وللإطناب مواقعه ، كل ذلك على حسب حال السامع وعلى مقتضى مواطن القول ؛ فالذكىّ الذى تكفيه اللّمحة يحسن له الإيجاز ، والغبىّ أو المكابر يجمل عند خطابه الإطناب والإسهاب.
وإذا تأملت القرآن الكريم رأيته إذا خاطب العرب والأعراب أوجز كلّ الإيجاز ، وأخرج الكلام مخرج الإشارة والوحى ، وإذا خاطب بنى إسرائيل أو حكى عنهم أسهب وأطنب فمما خاطب به أهل مكة قوله تعالى :
«إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ».
وقلما تجد خطابا لبنى إسرائيل إلّا وهو مسهب مطوّل ، لأن يهود المدينة كانوا يرون أنفسهم أهل علم وأهل كتاب فتجاوزوا الحد فى المكابرة والعناد ، وقد يكون القرآن الكريم نزّلهم منزلة قصار العقول فأطنب فى الحديث إليهم ، ويشهد لهذا الرأى ما حكاه عنهم وعن مقدار معرفتهم بما فى أسفارهم.
وللإيجاز مواطن يحسن فيها ، كالشكر والاعتذار والتعزية والعتاب إلى غير ذلك ، وللإطناب مواضع كالتهنئة والصلح بين فريقين والقصص والخطابة فى أمر من الأمور العامة ، وللذوق السليم القول الفصل فى هذه الشئون.
* * *
أما الأمر الثانى الذى يبحث فيه علم المعانى فهو دراسة ما يستفاد
__________________
(١) لا تعدل سارحتكم. السارحة : الماشية ، يريد أن ماشيتهم لا تصرف عن مرعى تريده.
(٢) لا تعد فاردتكم. الفاردة : الزائدة على الفريضة ، يقول : لا تضم فاردتكم إلى غيرها فتعد معها وتحسب.