من الكلام ضمنا بمعونة القرائن ، فإنه يريك أن الكلام يفيد بأصل وضعه معنى ولكنه قد يؤدى إليك معنى جديدا يفهم من السياق وترشد إليه الحال التى قيل فيها ، فيقول لك إن الخبر قد يفيد التحسر ، والأمر قد يفيد التعجيز ، والنهى قد يفيد الدعاء ، والاستفهام قد يفيد النفى ، إلى غير ذلك مما رأيته مفصّلا فى هذا الكتاب.
ويقول لك إن الخبر قد يلقى مؤكدا لخالى الذهن ، وقد يلقى غير مؤكد للمنكر الجاحد ، لغرض بلاغى بديع ، أراده المتكلم من الخروج عما يقتضيه ظاهر الكلام.
ويرشدك علم المعانى إلى أن القصر قد ينحو فيه الأديب مناحى شتى ، كأن يتجه إلى القصر الإضافى رغبة فى المبالغة ، فيقول المتفائل :
وما الدنيا سوى حلم لذيذ |
|
تنبّهه تباشير الصّباح |
ويقول المتشائم :
هل الدّهر إلّا ليلة طال سهدها |
|
تنفّس عن يوم أحمّ عصيب |
وقد يكون من مرامى القصر التعريض كقوله تعالى : «إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» إذ ليس الغرض من الآية الكريمة أن يعلم السامعون ظاهر معناها ، ولكنها تعريض بالمشركين وأنهم لفرط عنادهم وغلبة الهوى عليهم فى حكم من لا عقل له.
ويهديك علم المعانى إلى أن من أغراض الفصل فى بعض أنواعه تقرير المعنى وتثبيته فى ذهن السامع ، كما فى الفصل لكمال الاتصال وشبهه.
ولعل فى هذه الكلمة الموجزة مقنعا فى بيان ما لعلم المعانى من الأثر فى بلاغة الكلام ، وما يمدّ به الناشئ فى الأدب من أساليب ، وما يرسم له من طريق لحسن تأليفها واختيار الأحوال والمواطن التى تقال فيها.