* * *
(٥) وقال أبو الحسن الأنبارىّ (١) فى مصلوب :
مددت يديك نحوهم احتفاء |
|
كمدّهما إليهم بالهبات (٢) |
* * *
وقال أعرابى فى ذم امرأته :
وتفتح ـ لا كانت ـ فما لو رأيته |
|
توهّمته بابا من النّار يفتح |
البحث :
وصف البحترى ممدوحه فى البيت الأول بأنه قريب للمحتاجين ، بعيد المنزلة ، بينه وبين نظرائه فى الكرم بون شاسع. ولكن البحترى حينما أحس أنه وصف ممدوحه بوصفين متضادين ، هما القرب والبعد ، أراد أن يبين لك أن ذلك ممكن ، وأن ليس فى الأمر تناقض ؛ فشبّه ممدوحه بالبدر الذى هو بعيد فى السماء ولكنّ ضوءه قريب جدّا للسائرين بالليل ، وهذا أحد أغراض التشبيه وهو بيان إمكان المشبّه.
والنّابغة يشبّه ممدوحه بالشمس ويشبّه غيره من الملوك بالكواكب ، لأن سطوة الممدوح تغضّ من سطوة كل ملك كما تخفى الشمس الكواكب فهو يريد أن يبين حال الممدوح وحال غيره من الملوك ، وبيان الحال من أغراض التشبيه أيضا.
وبيت المتنبى يصف عينى الأسد فى الظلام بشدة الاحمرار والتوقد حتى إن من يراهما من بعد يظنهما نارا لقوم حلول مقيمين ، فلو لم يعمد المتنبى إلى التشبيه لقال : إنّ عينى الأسد محمرتان ولكنه اضطرّ إلى
__________________
(١) هو أبو الحسن الأنبارى أحد الشعراء المجيدين عاش فى بغداد ، وتوفى سنة ٣٢٨ ه ، وقد اشتهر بمرثيته التى رثى بها أبا طاهر بن بقية وزير عز الدولة لما قتل وصلب ، وهى من أعظم المراثى ولم يسمع بمثلها فى مصلوب ، حتى إن عضد الدولة الذى أمر بصلبه تمنى لو كان هو المصلوب وقيلت فيه.
(٢) الاحتفاء : المبالغة فى الإكرام ، والهبات : جمع هبة والمقصود بها العطية.