كان هذا الكلام غير فصيح لضعف تأليفه ، إذ أصله «ما قرأ محمد مع أخيه إلا كتابا واحدا» ، فقدّمت الصفة على الموصوف ، وفصل بين المتلازمين ، وهما أداة الاستثناء والمستثنى ، والمضاف والمضاف إليه. ويشبه ذلك قول أبى الطّيب المتنبى (١) :
أنّى يكون أبا البريّة آدم |
|
وأبوك والثّقلان أنت محمّد؟ (٢) |
والوضع الصحيح أن يقول : كيف يكون آدم أبا البرية ، وأبوك محمد ، وأنت الثقلان؟ يعنى أنه قد جمع ما فى الخليقة من الفضل والكمال ، فقد فصل بين المبتدأ والخبر وهما «أبوك محمد» ، وقدّم الخبر على المبتدأ تقديما قد يدعو إلى اللبس فى قوله «والثقلان أنت» ، على أنه بعد التعسف لم يسلم كلامه من سخف وهذر.
(٤) ويجب أن يسلم التركيب من التعقيد المعنوى ، وهو أن يعمد المتكلم إلى التعبير عن معنى فيستعمل فيه كلمات فى غير معانيها الحقيقية ، فيسىء اختيار الكلمات للمعنى الذى يريده ، فيضطرب التعبير ويلتبس الأمر على السامع. مثال ذلك أن كلمة اللسان تطلق أحيانا ويراد بها اللغة ، قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) أى ناطقا بلغة قومه ، وهذا استعمال صحيح فصيح ، فإذا استعمل إنسان هذه الكلمة فى الجاسوس ، وقال : «بثّ الحاكم ألسنته فى المدينة» كان مخطئا ، وكان فى كلامه تعقيد معنوى ، ومن ذلك قول امرىء القيس (٣) فى وصف فرس :
وأركب فى الرّوع خيفانة |
|
كسا وجهها سعف منتشر (٤) |
__________________
(١) أبو الطيب المتنبى هو أحمد بن الحسين الشاعر الطائر الصيت ، كان من المطلعين على غريب اللغة ، وشعره غاية فى الجودة ، يمتاز بالحكمة وضرب الأمثال وشرح أسرار النفوس ، ولد بالكوفة فى محلة تسمى كندة سنة ٣٠٣ ه ، وتوفى سنة ٣٥٤ ه.
(٢) الثقلان : الإنس والجن ، والبيت من قصيدة طويلة فى مدح شجاع بن محمد الطائى.
(٣) هو رأس شعراء الجاهلية وقائدهم إلى الافتنان فى أبواب الشعر وضروبه ، ولد سنة ١٣٠ ق ه ، وآباؤه من أشراف كندة وملوكها ، وتوفى سنة ٨٠ ق ه ، وله المعلقة المشهورة.
(٤) الروع : الفزع ، والسعف جمع سعفة : وهى غصن النخل.