البحث :
فى كل مثال من الأمثلة السابقة مجاز لغوىّ : أى كلمة استعملت فى غير معناها الحقيقى فالمثال الأول من الأمثلة الثلاثة الأولى يشتمل على كلمتى الظلمات والنور ولا يقصد بالأولى إلّا الضلال ، ولا يراد بالثانية إلّا الهدى والإيمان ، والعلاقة المشابهة والقرينة حالية ؛ وبيت المتنبى يحتوى على مجازين هما «البحر» الذى يراد به الرجل الكريم لعلاقة المشابهة ، والقرينة «مشى» و «الأسد» التى براد بها الشجعان لعلاقة المشابهة ، والقرينة «تعانقه» ؛ والبيت الثالث يحتوى على مجاز هو «تصافحت» الذى يراد منه تلاقت ، لعلاقة المشابهة والقرينة «بيض الهند واللمم».
وإذا تأملت كل مجاز سبق رأيت أنه تضمّن تشبيها حذف منه لفظ المشبّه واستعير بدله لفظ المشبّه به ليقوم مقامه بادعاء أنّ المشبه به هو عين المشبّه ، وهذا أبعد مدى فى البلاغة ، وأدخل فى المبالغة ، ويسمّى هذا المجاز استعارة ، ولما كان المشبّه به مصرّحا به فى هذا المجاز سمّى استعارة تصريحية
نرجع إذا إلى الأمثلة الثلاثة الأخيرة ؛ ويكفى أن نوضح لك مثالا منها لتقيس عليه ما بعده ، وهو قول الحجاج فى التهديد : «إنّى لأرى رءوسا قد أينعت» فإن الذى يفهم منه أن يشبه الرءوس بالثمرات ، فأصل الكلام إنى لأرى رءوسا كالثمرات قد أينعت ، ثم حذف المشبّه به فصار إنى لأرى رءوسا قد أينعت ، على تخيّل أن الرءوس قد تمثلت فى صورة ثمار ، ورمز للمشبه به المحذوف بشىء من لوازمه وهو أينعت ، ولما كان المشبه به فى هذه الاستعارة محتجبا سميت استعارة مكنية ، ومثل ذلك يقال فى «امتطينا الخطوبا» وفى كلمة «المجد» فى البيت الاخير.