فإنّ أبا عليّ حكاه على الشيخ أبي بكر (١) رضي الله عنه ، وهو نهاية في معناه ، ولو لا أن في الحرف إذا زيد ضربا من التوكيد ، لما جازت زيادته البتة. كما أنه لو لا قوة العلم بمكانه ، لما جاز حذفه البتة ، فإنما جاز فيه الحذف والزيادة من حيث أريتك ، على ما به من ضعف القياس. وإذا كان الأمر كذلك ، فقد علمنا من هذا أننا متى رأيناهم قد زادوا الحرف فقد أرادوا غاية التوكيد ، كما أنا إذا رأيناهم قد حذفوا حرفا ، فقد أرادوا غاية الاختصار ، ولو لا ذلك الذي أجمعوا عليه واعتزموه ، لما استجازوا زيادة ما الغرض فيه الإيجاز ، ولا حذف ما وضعه على نهاية الاختصار ، فقد استغنى عن حذفه بقوة اختصاره.
واعلم أن الفاء قد يجاب بها سبعة أشياء (٢) : وهي الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والنفي ، والدعاء ، والتمني ، والعرض.
فالأمر نحو قولك : قم فأقوم. قال الشاعر :
يا ناق سيري عنقا فسيحا |
|
إلى سليمان فنستريحا (٣) |
والنهي نحو قولك : لا تشتمه فيشتمك ، قال الله عز وجل : (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) [طه : ٦١](٤).
__________________
(١) الشيخ الفاضل أبي بكر : وهو أبو بكر محمد بن السري السراج ، أصغر تلاميذ المبرد. وكان أبو علي الفارسي يأخذ عنه ، توفي سنة ثلاث مئة وست عشرة.
(٢) الأصح أنهم ثمانية وفوق السبعة المذكورين «الترجي» ذكر ذلك ابن مالك والرضي وأبو حيان.
(٣) الناق : الناقة بحذف تاء التأنيث للضرورة. عنقا : ضرب من السير منبسط. وسليمان هو : سليمان بن عبد الملك. وقائل هذه الأبيات هو أبو النجم الراجز في مدح سليمان بن عبد الملك. الشاهد في قوله : «فنستريحا». إعراب الشاهد : الفاء للجواب. نستريح : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا.
(٤) يسحتكم : يستأصلكم. مادة (س ح ت) اللسان (٣ / ١٩٤٩). موضع الشاهد : «فيسحتكم». إعراب الشاهد : الفاء للجواب. يسحت : مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا ، والفاعل مستتر وجوبا تقديره هو يعود على لفظ الجلالة. كم : ضمير مبني في محل نصب مفعول به.