كان ذلك في الألوان ، وإذا جاز مع التساوي فيما ذكرته من قصر الإدراك على حاسة واحدة الاختلاف في أحكام كثيرة ، فأحر أن يكون المختلف من الأصوات غير متضاد ، وإن كان المختلف من الألوان متضادا.
ويقال له فيما ذكره ثانيا : إن الصوتين المختلفين ليس محلهما واحدا ، فيقطع على تضادهما لامتناع اجتماعهما فيه في ذلك الوقت الواحد ، بل محال الحروف المتغايرة متغايرة ، وإذا كان المحلان مختلفين فلا سبيل إلى القطع على التضاد باستحالة اجتماعهما في المحل ، لأن كل واحد من الصوتين المختلفين لا يصح أن يحل محل الآخر.
وقد أشار القاضي أبو الحسن (١) عبد الجبار بن أحمد الهمذاني رحمهالله إلى أن الأصوات غير متضادة ، لأنها غير باقية ، والمنافاة إنما تصح في المتضاد الباقي ، كأنه أراد أن عدم أحد الضدين إذا كان واجبا ، لأنه مما لا يبقى ، فليس لوجود ضده حكم يخالف عدمه.
فأما الكلام في تماثلها واختلافها فالدلالة على ذلك ما قدمناه من الإدراك لها ، وبيانه في الحروف ، فإن الراء تدرك ملتبسة بالراء ومخالفة للزاي ، وقد بينا أن الإدراك يتناول أخص صفات الذات ، ولا يجوز وجود الصوت إلا في محل ، أما من أثبت حاجة جميع الأعراض إلى المحالّ من حيث كان عرضا ، وأما من أجاز وجود بعض الأعراض في غير محل بدلالة أنه يتولد عن اعتماد الجسم ومصاكّته لغيره ، ولأنه يختلف باختلاف حال محله ، فيتولد من الصوت في الطست خلاف ما يتولد في الحجر ، فيقول : قد ثبت وجود بعض الأصوات في غير محل ، فإذا ثبت في بعضه ثبت في جميعه ، لأن الأصوات
__________________
(١) هو عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني ـ أبو الحسين ـ قاض ، أصولي ، لقب بقاضي القضاة ، وكان شيخ المعتزلة في عصره ، ولي القضاء بالري ، ومات فيها ، له تصانيف كثيرة منها : الأمالي ، والمجموع في المحيط ، وشرح الأصول الخمسة ، والمغني في أبواب التوحيد والعدل ، وتثبيت دلائل النبوة ، وتشابه القرآن. توفي بالري عام ١٠٢٥ ميلادية.