متفقة في أنها لا توجب حالا لمحل ولا جملة.
وقد ذهب أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبّائي (١) إلى أن جنس الصوت يحتاج مع المحل إلى هيئة وحركة ، وقال أبو هاشم أخيرا : إنه لا يحتاج إلى المحل ، وعلى هذا القول أكثر أصحابه ، وله نصر الشريف المرتضى رضياللهعنه ، واستدلوا على نفي حاجته إلى غير المحل بأنه مما لا يوجب حالا لغيره ، فجرى مجرى اللون في أنه لا يحتاج إلى سوى محله ـ وقالوا : إن الصوت من فعلنا إنما احتاج إلى الحركة لأنها كالسبب فيه ، من حيث كنا لا نفعله إلا متولدا عن الاعتماد على وجه المصاكّة ، والاعتماد يولد الحركة ، فلهذا جرى مجرى السبب ، فليس يمتنع أن يفعل الله تعالى الصوت مبتدأ من غير حركة ، كما يفعله غير متولد عن الاعتماد ، وكما يفعل ما وقع منا بآلة من غير آلة ، وجعلوا هذا هو العلة في انقطاع طنين الطست بتسكينه ، وأجازوا وجود القليل من الصوت مع السكون عند تناهيه وانقطاعه ، ومنعوا من وجوده من فعلنا مع السكون من فعلنا حالا بعد حال لما ذكرناه.
والأصوات تدرك بحاسة السمع في محالّها ، ولا تحتاج إلى انتقال محالها وانتقالها ، وكونها أعراضا منع من انتقالها ، وقد استدل على ذلك بأنها لو انتقلت لجاز أن تنتقل إلى بعض الحاضرين دون بعض ، حتى يكون مع التساوي في القرب والسلامة يسمع الصوت بعضهم دون بعض ، وأن يجوز اختلاف انتقال الحروف حتى يدرك الكلام مختلفا ، واستدل على ذلك أيضا بأنه لو احتيج في إدراك الأصوات إلى انتقال المحالّ لما وقع الفرق مع السلامة بين جهة الصوت والكلام مكانهما ، وكما أنه لا يعرف في أي جهة انتقل إلى محل ما يلاقيها من الأجسام التي يدرك منها الحرارة والبرودة ، وقد سئل على
__________________
(١) هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي ـ أبو علي ـ ولد عام ٢٣٥ هجرية ، وهو من أئمة المعتزلة ورئيس علماء الكلام في عصره. وإليه نسبت الطائفة «الجبائية» ، له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب.
له «تفسير» حافل مطول ، رد عليه الأشعري. توفي عام ٣٠٣ هجرية.