لأنه لما أراد أن يصف هؤلاء القوم بالشجاعة في متابعتهم الغرام والصبابة عبّر عن ذلك بقوله : أيدي الطعان ، فأتى بأخصر ألفاظ وأوجزها.
ومن الإيجاز أيضا قول عمرو بن معد يكرب :
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم |
|
نطقت ولكنّ الرماح أجرّت (١) |
أي : شقت لساني كما يجرّ لسان الفصيل ، يريد أنها أسكتتني.
ومن هذا الفن أيضا قول حميد بن ثور الهلالي :
أرى بصري قد خانني بعد صحة |
|
وحسبك داء أن تصحّ وتسلما (٢) |
فإن قوله : وحسبك داء أن تصح وتسلما ، من الإيجاز الحسن ، وكذلك قول نصيب :
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله |
|
ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب (٣) |
فإن قوله : لو سكتوا أثنت عليك الحقائب ، من الكلام الحسن الموجز.
والأصل في مدح الإيجاز والاختصار في الكلام أن الألفاظ غير مقصودة في أنفسها ، وإنما المقصود هو المعاني والأغراض التي احتيج إلى العبارة عنها بالكلام ، فصار اللفظ بمنزلة الطريق إلى المعاني التي هي مقصودة ، وإذا كان طريقان يوصل كل واحد منهما إلى المقصود على سواء في السهولة إلا أنّ أحدهما أخصر وأقرب من الآخر ، فلا بدّ أن يكون المحمود منهما هو أخصرهما وأقربهما سلوكا إلى المقصد ، فإن تقارب اللفظان في الإيجاز وكان أحدهما أشد إيضاحا للمعنى كان بمنزلة تساوي الطريقين في القرب وزيادة
__________________
(١) الأصمعيات ١٢٢ ، دلائل الإعجاز ١٠٣ ، شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١٦٢ ، لسان العرب (جرر).
(٢) ديوانه ٧ ، الحيوان ٦ / ٥٠٣ ، البيان والتبيين ١ / ١٥٤ ، المصون في الأدب ١٥٠ ، زهر الآداب للحصري ٢٢٣.
(٣) ديوانه ٥٩ ، البيان والتبيين ١ / ٨٣ ، الكامل ١٠٤ ، زهر الآداب ، العمدة ١ / ٤٤ ، شذور الذهب ٣٠.