خطاب لا يفهم منه المراد ، فجرى في القبح مجرى خطاب العربي بالزنجية ، ومن أجازه فرق بين الخطاب بالزنجية وبين تأخير البيان بأن في الخطاب مع تأخير البيان بعض الفائدة والفهم للمراد ، كتوطين النفس على الفعل والعزم عليه إن كان الخطاب أمرا ، وليس في الخطاب للعربي بالزنجية ذلك ، فقد وقع بالإجماع على أنه متى لم يفهم من الخطاب شيء كان قبيحا.
فإن قيل : كلامكم الماضي يدل على أن في القرآن ما بعضه أفصح من بعض ، وفي الناس من يخالفهم ويأبى ذلك ، فما عندكم فيه؟ قلنا : أما زيادة بعض القرآن على بعض في الفصاحة فالأمر فيه ظاهر لا يخفى على من علق بطرف من هذه الصناعة ، وشدا شيئا يسيرا (١) وما زال الناس يفردون مواضع من القرآن يعجبون منها في البلاغة وحسن التأليف كقوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [هود : ٤٤].
وقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) [البقرة : ١٨٧].
وقوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت : ٣٤].
وقوله عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) [سبأ : ٥١]
وقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) [البقرة : ١٧٩].
وأمثال هذا ونظائره كثير.
فلو كانوا يذهبون إلى تساويه في الفصاحة لم يكن لإفرادهم هذه المواضع المعينة المخصوصة دون غيرها معنى ، وإنما تدخل الشبهة في هذا ومثله على الأعاجم من
__________________
(١) شدا هنا بمعنى : طلب أو تعلّم مقدمات من العلم.