يضاف الشيء إلى نفسه (١) ، إلا أن أبا العباس المبرّد ذهب في ذلك إلى أن المعجم بمنزلة الاعجام كما تقول : أدخلته مدخلا ؛ أي : إدخالا ، وكما حكى أبو الحسن سعيد ابن مسعدة الأخفش أن بعضهم قرأ : (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) [الحج : ١٨]. بفتح الراء أي : من إكرام ، فكأنهم قالوا ـ على هذا الوجه : حروف الإعجام ، ولم يجز أبو الفتح عثمان بن جنّى (٢) أن يكون قولهم : حروف المعجم بمنزلة قولهم : صلاة الأولى ، ومسجد الجامع ، قال : لأن معنى ذلك صلاة الفريضة الأولى ، ومسجد اليوم : الجامع ، فهما صفتان حذف موصوفهما وأقيما مقامهما ، وليس كذلك ـ حروف المعجم ـ لأنه ليس معناه حروف الكلام المعجم ، ولا حروف اللفظ المعجم ، وليس يبعد عندي ما أنكره أبو الفتح ، بل يجوز أن يكون التقدير : حروف الخط المعجم ، لأن الخط العربي فيه أشكال متفقة لحروف مختلفة عجم بعضها دون بعض ليزول اللبس ، وقد يتفق في غيرها من الخطوط أن تختلف أشكال الحروف فلا يحتاج إلى النقط ، فوصف الخط العربي بأنه معجم لهذه العلة ، وقيل حروف المعجم ، أي : حروف الخط المعجم ، كما يقال : حروف العربي ، أي : حروف الخط العربي ، وليس يمكن أن يعترض على هذا القول بأن يدعي أن وضع كلام العرب قبل خطهم ، وأن التسمية كانت لحروفه بحروف المعجم من حين تكلم به ، لأن قائل هذا يحتاج إلى إقامة الدلالة على ذلك ، وهي متعذرة لبعد العهد ، وفقد الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة ذلك ، لا سيما إثبات التسمية لهذه الحروف بأنها حروف المعجم قبل وضع الخط ، وكل ما يروى من ابتداء وضعه وأنه خرج على ما قيل من الأنبار وما يجري هذا المجرى فليس يثمر إلا الظن.
__________________
(١) إضافة الموصوف إلى صفته ليست من إضافة الشيء إلى نفسه ، لما بينهما من المغايرة التي تجعل هذا موصوفا وذلك صفة!
(٢) هو أبو الفتح عثمان بن جني ، من أئمة اللغة والأدب ، ولد بالموصل سنة ٣٢٢ ه وتوفي ببغداد سنة ٣٩٢ ه. من مؤلفاته : «الخصائص» ، و «سر صناعة الإعراب» ، و «شرح ديوان المتنبي» ، و «اللمع في العربية» ، و «المحتسب في وجوه القراءات».