من أن تكون قدمت إليه إساءة خفت منه معها ، أو خنت في عملك خيانة تكشّفه إياك عنها ، فإن كنت أسأت :
فأوّل راض سنّة من يسيرها
وإن كنت خنت خيانة فلا بد من مطالبتك بها ، فكتب العامل تحت هذا التوقيع : قد بقي من الأقسام ما لم تذكره : وهو أني خفت ظلمه إيّاي بالبعد عنك ، وتكثيره عليّ بالباطل عندك ، ووجدت الهرب إلى حيث يمكنني فيه دفع يتخرّصه أنفي للظنّة عني ، والبعد عمن لا يؤمن ظلمه أولى بالاحتياط لنفسي. فوقع ابن منارة تحت ذلك : قد أصبت فصر إلينا آمنا من ظلمه عاجلا ، على أن ما يصح عليك فلا بد من مطالبتك به.
وقد ذهب أبو القاسم الآمدي إلى فساد القسمة من قول أبي عبادة البحتري :
ولا بد من ترك إحدى اثنتين |
|
إما الشباب وإما العمر (١) |
قال : لأن ههنا قسما آخر ، وهو أن يتركا معا فيموت الإنسان شابا. وأجاب الشريف المرتضى (رضياللهعنه) عن ذلك بأن المراد بترك الشباب تركه بالشيب ، وبترك العمر تركه بالموت ، وهذا هو المستعمل المألوف في هذه الألفاظ ، فمن مات شابا فلا يقال عنه : إنه ترك الشباب لأنه لم يشب ، وإنما يقال عنه : إنه ترك العمر ، فدخل في أحد القسمين ولي في هذا الموضع نظر وتأمل.
ومن الصحة تجنب الاستحالة والتناقض (٢) ، وذلك أن يجمع بين المتقابلين من جهة واحدة ، والتقابل يكون على أربع جهات : إما على طريق المضاف ، وهو الشيء الذي يقال بالقياس إلى غيره ، مثل الضّعف بالقياس إلى نصفه ، والأب إلى ابنه ، والمولى إلى عبده ، وإما على طريق التضادّ ، مثل الأبيض والأسود والشرّير والخيّر ، وإما على طريق
__________________
(١) «ديوان البحتري» (١ / ٩٨).
(٢) «نقد الشعر» لقدامة ص ٢٠٤.