يوم الفراق لقد خلقت طويلا |
|
لم تبق لي جلدا ولا معقولا (١) |
قالوا الرّحيل فما شككت بأنها |
|
نفسي من الدنيا تريد رحيلا |
علل طوله بما لقي فيه من الوجد لرحيل أحبابه عنه ، وأبو عبادة لّما وصفه بالقصر فقال :
ولقد تأملت الفراق فلم أجد |
|
يوم الفراق على امرىء بطويل |
قصرت مسافته على متزوّد |
|
منه لدهر صبابة وغليل |
علل قصره بأنه اجتمع فيه بمن يحبه للوداع ، وتزوّد منه لأيام البعد عنه ، فهما وإن كان كل واحد منهما قد خالف صاحبه في مدح الفراق وذمه ، فقد ذكر لما ذهب إليه وجها يصح به ، وعلى هذا الطريق يحسن وقوع الخلاف في أغراض الشعراء ، إلا أن يكون أحد القولين صحيحا والآخر فاسدا.
فأما المتناقض في الشعر فكقول عبد الرحمن بن عبد الله القسّ :
أرى هجرها والقتل مثلين فاقصروا |
|
ملامكم فالقتل أعفى وأيسر |
فقال هذا الشاعر ـ إن الهجر والقتل مثلان ـ ثم سلبهما ذلك ، فقال ـ إن القتل أعفى وايسر ـ فكأنه قال إن القتل مثل الهجر وليس هو مثله ، وذلك متناقض ، ولو كان استوى له أن يقول ـ بل القتل أعفى وأيسر ـ لكان الشعر مستقيما ، لأنّ لفظة ـ بل ـ تنفي الماضي وتثبت المستأنف ، كما قال زهير :
حيّ الديار التي لم يعفها القدم |
|
بلى وغيّرها الأرواح والدّيم (٢) |
على أنهم قد عابوا هذا البيت على زهير ، لكنه بمجيء ـ بلى ـ فيه لم يكن عندي
__________________
(١) «ديوان أبي تمام» ٣ / ٦٦ ، وفيه : عن الدنيا.
(٢) «ديوان زهير» ص ١١٣ ، وفي المطبوع : قف بالديار ، بدل : حيّ الديار.