فاسدا ، وقد يمكن فيه من التأويل وجه آخر ، وهو أن زهيرا قال : لم يعفها القدم وغيّرتها الريح والأمطار ، وليس ذلك بمتناقض ، لأن التغير دون أن تعفو ، والقدم غير الريح والمطر ، ومن قال : لم يقتل زيد عمرا بل ضربه بكر ، لم يكن متناقضا ، وإنما المناقضة أن يقول : لم يقتل زيد عمرا وقتله زيد ، ويكون الأول هو الثاني ، وهذا واضح.
ومن الاستدلال قول الآخر : (١)
أليس قليلا نظرة أن نظرتها |
|
إليك وكلّا ليس منك قليل |
وقد ذهب أبو الفرج قدامة بن جعفر إلى أن قول ابن هرمة في صفة الكلب :
تراه إذا ما أبصر الضيف مقبلا |
|
يكلّمه من حبّه وهو أعجم (٢) |
من المتناقض ، لأنه أقنى الكلب الكلام في قوله : يكلمه ، ثم أعدمه إياه عند قوله : إنه أعجم ، وهذا غلط من أبي الفرج طريف ، لأن الأعجم ليس هو الذي قد عدم الكلام جملة كالأخرس ، وإنما هو الذي يتكلم بعجمة ولا يفصح ، قال الله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل : ١٠٣].
واذا قيل : فلان يتكلم وهو أعجم ، لم يكن ذلك متناقضا ، على أن الرواية الصحيحة في بيت ابن هرمة :
يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلا
وهذا البيت من إحسان ابن هرمة المشهور.
__________________
(١) هو ليزيد بن الصمة المعروف بابن الطثرية الإنصاف ٤٠٢ ، شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١٣٤١.
(٢) ديوان ابن هرمة ٢٠٩ ، البيان والتبيين ٣ / ٢٠٥ ، الشعر والشعراء ٧٣١ ، دلائل الإعجاز ٢٠٢ ، نهاية الأرب ٩ / ٢٥٥ ، خزانة الأدب ٤ / ٥٨٤.