وإن صورة راقتك فاخبر فربما |
|
أمرّ مذاق العود والعود أخضر |
فبنى الكلام على أن العود في الأكثر يكون حلوا ، بقوله : فربما ، وليس الأمر كذلك بل العود الأخضر في الأكثر مرّ ، وكأنّ هذا الشاعر وضع الأكثر موضع الأقل ، وذلك غلط في المعنى.
ومنه ما أنكره أبو القاسم الآمدي على أبي تمام في قوله يمدح الواثق بالله :
جعل الخلافة فيه ربّ قوله |
|
سبحانه للشيء كن فيكون (١) |
قال : لأن مثل هذا إنما يقال في الأمر العجيب الذي لم يكن يقدّر ولا يتوقع ولا يظن أن مثله يكون ، فيقال إذا وقع ذلك : قدرة قادر واحد ، وفعل من لا يعجزه أمر ، ومن يقول للشيء : كن فيكون ، فأما الأمور التي لا تعجّب منها ولا تستغرب والعادات جارية بها وبما أشبهها فلا يقال فيها مثل هذا ، وإنما يسبّح الله تبارك وتعالى وتذكر قدرته على تكوين الأشياء لو جاءوا بأبي العبر أو بجحا فجعلوه خليفة ، فأما الواثق فما وجه تسبيح أبي تمام في أن أفضت الخلافة إليه ، وأبوه المعتصم ، وجدّه الرشيد ، وجدّ أبيه المهدي ، وجدّ جدّه المنصور ، وأخو جدّ جدّه السفّاح ، وعمّاه خليفتان ـ الأمين والمأمون ـ وعم أبيه الهادي ، فذلك (٢) ثمانية خلفاء هو تاسعهم ، وهذا الذي ذكره أبو القاسم صحيح واضح.
ومن الصحة صحة التشبيه ، وهو أن يقال أحد الشيئين مثل الآخر في بعض المعاني والصفات ، ولن يجوز أن يكون أحد الشيئين مثل الآخر من جميع الوجوه حتى لا يعقل بينهما تغاير ألبتّة ، لأن هذا لو جاز لكان أحد الشيئين هو الآخر بعينه ، وذلك محال ، وإنما الأحسن في التشبيه أن يكون أحد الشيئين يشبه الآخر في أكثر صفاته ومعانيه ، وبالضدّ ، حتى يكون رديء التشبيه ما قلّ شبهه بالمشبّه به.
__________________
(١) «ديوان أبي تمام» ٣ / ٢٢٦.
(٢) الوجه أن يقول : فأولئك.