لما في ذلك من الغلو والإفراط الخارج عن الحقيقة ، والذي أذهب إليه المذهب الأول في حمد المبالغة والغلو ، لأن الشعر مبني على الجواز والتسمح ، لكن أرى أن يستعمل في ذلك ـ كاد ـ وما جرى في معناها ليكون الكلام أقرب إلى حيز الصحة ، كما قال أبو عبادة :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا |
|
من الحسن حتى كاد أن يتكلما (١) |
وقال أبو الطيب :
يطمّع الطير فيهم طول أكلهم |
|
حتى تكاد على أحيائهم تقع (٢) |
فهذان البيتان قد تضمنا غلوا ، لكن لما جاءت فيهما ـ كاد ـ قربتهما إلى الصحة.
وأما المبالغة بغير ـ كاد ـ فكقول أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان :
ونبّالة من بحتر لو تعمدوا |
|
بليل أناسيّ النواظر لم يخطوا (٣) |
وقول النمر يصف السيف :
تظلّ تحفر عنه إن ضربت به |
|
بعد الذراعين والساقين والهادي (٤) |
وقول النابغة :
تقدّ السّلوقيّ المضاعف نسجه |
|
ويوقدن بالصّفّاح نار الحباحب (٥) |
__________________
(١) «ديوان البحتري» ص (١ / ١٢٤).
(٢) «ديوان المتنبي» (٢ / ٦٣). يعني أن طول أكل الطير من لحوم قتلاهم أغرتها بهم ، حتى تكاد تقع على لحوم أحيائهم.
(٣) نبالة : رامون بالنبال ، ولم يخطوا : لم يخطئوا. وانظر ديوانه «سقط الزند» ص ٣٠٢.
(٤) الهادي : العنق. وانظر «المعجم المفصل» (٢ / ٢٤٧).
(٥) السلوقي : درع ينسب إلى سلوق من بلاد الروم أو اليمن ، والمضاعف : المنسوج حلقتين حلقتين ، والصفاح : حجارة عراض ، والحباحب : ذباب له شعاع بالليل. وانظر «ديوان النابغة» ص ١١.