ولا يلزم على ما ذكرناه إضافة كلام النائم أو الساهي إليهما ، وإن لم يقع بحسب المقصود ، وذلك أننا لم نقتصر على ذكر المقصود والدواعي دون جملة الأحوال ، والكلام يقع من النائم والساهي بحسب قدرتهما ولغتهما ، واللثغة العارضة في لسانهما وغير ذلك من أحوالهما ، على أنا قد احترزنا بذكر التقدير في كلامنا ، لأن من المعلوم أن كلام النائم لو كان قاصدا لوقع بحسب قصده ، وإنه مخالف لكلام غيره ، ويدل على ما ذكرناه أيضا أنهم يضيفون الكلام المسموع من المصروع إلى الجني ، لمّا اعتقدوا تعلقه بقصده وإرادته ، وهذا وإن كان خطأ منهم وجهلا فلا يغير دلالتنا منه ، لأنا إنما استدللنا باستعمالهم على وجه لا فرق بين أن تكون تلك الاعتقادات علما أو جهلا ، كما يستدل على أن لفظة إله في لغتهم موضوعة لمن يحق له العبادة بوصفهم للأصنام بأنها آلهة ، لمّا اعتقدوا أن هذه العبادة تجب لها ، وإن كان هذا الاعتقاد منهم في الأصنام فاسدا ، فإن قالوا : إنهم إنما أضافوا الكلام المسموع من المصروع إلى الجني لما اعتقدوا أن الجني قد سلكه وخالطه ، وأن الكلام حالّ في الجني دونه ، فيعود الأمر إلى أن المتكلم بالكلام من حلّه ، قلنا له : ليس يعتقدون أن آلة المصروع ولسانه قد صارا للجنّي دونه ، لأنهم لا يضيفون إلى الجني كل كلام يسمع من المصروع ، كالتسبيح والقراءة وما يجري مجراهما مما يعتقدون أن الجني لا يقصده ، وإنما يضيفون إليه ما يعتقدون أنه لا يكون من مقصود غير الجني ، فدلّ هذا على أنهم لا يضيفون الكلام إلا إلى من وقع بحسب أحواله وقصوده على ما قدمناه ، ويدل أيضا على ما ذهبنا إليه أن الكلام الذي يوجد في الصدى يستحيل أن يكون كلاما له ، أو للقديم تعالى ، لأنه ربما كان كاذبا أو عبثا ، وهو عز اسمه يتنزّه عن ذلك ، أو كلاما لا لمتكلم به ، فيجب أن يكون كلاما لمن فعل أسبابه ووجد بحسب دواعيه وقصوده ، وليس لهم أن يمتنعوا من وجود الكلام في الصدى ، فأما حدهم للمتكلم بأنه من له كلام فإحالة على مبهم ، والسؤال باق ، لأنه يقال : فكيف صار الكلام له ، أبأن حله أو بأن فعله؟ فلا بدّ من التفسير ، وهذه اللفظة ـ أعني قولهم : إن له كذا ـ تحمل أمورا مختلفة المعاني : منها إضافة البعض إلى الكل ،