كقولهم : له إحسان ونعمة ، ومعنى الحلول ، كما يقال : له طعم ولون ، وما يحتمل أمورا مختلفة لا يجوز أن يحدّ به في الموضع الذي يقصد فيه التمييز وكشف الغرض.
ولما كنا قد ذكرنا طرفا من القول في حقيقة الكلام والمتكلم فيحتاج إلى نبذ من الكلام في الحكاية والمحكى ، ليكون هذا الفصل مقنعا فيما وضع له ، والذي كان يذهب إليه أبو الهذيل محمد بن الهذيل (١) وأبو علي محمد بن عبد الوهاب (٢) أن الحكاية هي المحكى ، وأن التالي للقرآن يستمع منه كلام الله على الحقيقة ، وأن البقاء يجوز على الكلام ويوجد في الحال الواحدة في الأماكن الكثيرة ، فيوجد مع الصوت مسموعا ، ومع الكتابة مكتوبا ، ومع الحفظ محفوظا ، ويجري في وجوده في الأماكن الكثيرة في الوقت الواحد ، والأجسام إنما توجد في الأماكن على البدل ، ثم قال أبو علي بعد ذلك : إن التالي للقرآن يوجد مع تلاوته كلامان : أحدهما من فعله ، والآخر : هو كلام الله تعالى ، والذي كان يقوله أبو هاشم ـ وقد ذهب إليه قبله جعفر بن حرب وجعفر بن مبشر ـ : إن الكلام هو الصوت الواقع على بعض الوجوه ، ولا يجوز عليه البقاء ، ولا يوجد إلا في المحل الواحد ، والحكاية غير المحكى وإن كانت مثله ، والقارىء لا يسمع منه إلا ما فعله ، والقراءة غير المقروء ، والكتابة غير الكلام ، وإنما هي أمارات للحروف ، والحفظ هو العلم بكيفية الكلام ونظمه ، وعلى هذا القول أكثر الشيوخ ، وهو الصحيح الذي لا شبهة فيه ، والذي يدل على أننا قد بينا فيما تقدم أن الكلام هو الصوت الواقع على بعض الوجوه بما لا فائدة في إعادته ، وأما الصوت فلا شبهة في أنه غير باق لما بيناه أيضا ، وإذا كان الكلام هو الصوت ـ والصوت لا يجوز عليه البقاء ـ فكيف يقال : إنه يوجد معها
__________________
(١) هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي ، مولى عبد القيس أبو الهذيل العلاف ، من أئمة المعتزلة. ولد بالبصرة سنة ١٣٥ هجرية ، اشتهر بعلم الكلام. قال عنه المأمون : أطل أبو هذيل على الكلام كإطلال الغمام على الأنام ، له مقالات في الإعتزال ومجالس ومناظرات. وكان حسن الجدل ، قوي الحجة ، كف بصره في آخر عمره وتوفي بسامراء سنة ٢٣٥ هجرية.
(٢) سبق ترجمته ، وهو أبو علي الجبّائي.