كلام وإنما هي أمارات للحروف بالمواضعة وأن الاستفادة بالكتابة كالاستفادة بعقدة الأصابع والإشارة وغيرهما من الأفعال التي تقع المواضعة عليها ، فلو كان لا بدّ من كلام يوجد مع الكتابة لأجل الفائدة الحاصلة بها لوجب ذلك في جميع ما ذكرناه ، وذلك محال لا يحسن الخلاف فيه ، ومما يدلّ على أن التلاوة للقرآن لا يوجد معها شيء آخر أن القائل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) متعوذا بها غير قاصد إلى تلاوة القرآن يوجد الكلام من فعله ، فلو كان إذا قصد حاكيا لكلام الله تعالى وجد كلام آخر ، لكان إذا قصد حكاية كلام كل من تلا القرآن يوجد كلامهم أجمع عند قصده ، فيقوي إدراكنا للكلام من حيث نسمع كلاما كثيرا في هذا الحال ، وفي غيرها شيئا واحدا ، وهذا واضح ، وقد تعلق أبو عليّ وأبو الهذيل فيما ذهبنا إليه بأنه لو كان القارىء لا يسمع منه إلا ما فعله دون كلام الله تعالى لبطل التحدّي وخرج من كونه معجزا ، لأنه لو كانت الحكاية غير المحكى ـ وهي مثله ـ لكان كل من فعل القرآن قد أتى مثله على الحقيقة ، والتحدي يضمن أنهم لا يأتون بمثله على الحقيقة ، والجواب عن هذا أن التحدي إنما وقع بفعل مثل القرآن على الابتداء دون الاحتذاء ، والتالي للقرآن قد أتى بمثله محتذيا ، فلا يكون بذلك معارضا ، وعلى هذا أيضا كان يقع التحدي من العرب بعضها بعضا بالأشعار على سبيل الابتداء ، والأمر في هذا واضح.
وتعلق أبو علي فيما ذهب إليه ثانيا بأن القرآن ليس يقبح على وجه من الوجوه ، وقد ثبت أن قراءته تقبح من الجنب والحائض ، ودلّ ذلك على أن القراءة شيء ، والقرآن شيء ، والجواب عن هذا : أن معنى قولنا : إن القرآن ليس يقبح بوجه من الوجوه ، هو أن ما فعله تعالى وأنزله على رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه صفته ، ولا يمنع أن تكون التلاوة التي هي فعل التالي والحكاية التي هي فعل الحاكي ، ويسمّى بالتعارف قرآنا يقبح في بعض الأحوال ويرجع القبح إلى أفعال العباد دون القرآن على الحقيقة ، وقد اعتمد أبو الهذيل وأبو علي أيضا على قوله تبارك وتعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦] ولا خلاف بين الأمّة أن