إلا أنهم قلّما يتفق منهم العدول عن النطق بحرف من الكلام إلى حرف آخر إلا والشبه فيهما قويّ ، على ما قدمت ذكره.
ووقوع المهمل من هذه اللغة ـ على ما قدمته لك ـ في الأكثر من اطراح الأبنية التي يصعب النطق بها لضرب من التقارب في الحروف ، فلا يكاد يجيء في كلام العرب ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة واحدة لحزونة ذلك على ألسنتهم ، وثقله ، وقد روي أن الخليل بن أحمد قال : سمعنا كلمة شنعاء وهي : الهعخع (١) ، وأنكرنا تأليفها ، وقيل : إن أعرابيا سئل عن ناقته ، فقال تركتها ترعى الهعخع ، فلما كشف عن ذلك وسئل الثقات من العلماء عنه أنكروه ودفعوه ، وقالوا : نعرف الخعخع ، وهذا أقرب إلى تأليفهم ، لأن الذي فيه حرفان حسب ، وحروف الحلق خاصة مما قل تأليفهم لها من غير فصل يقع بينها ، كل ذلك اعتمادا للخفة ، وتجنبا للثقل في النطق ، فأما القاف والكاف والجيم فلم تتجاوز في كلامهم البتة ، لم يأت عنهم قج ، ولا جق ، ولا كج ، ولا جك ، ولا قك ، ولا كق ، وكل ذلك فرارا مما ذكرناه ، إلا أن هذه الحروف قد تكررت في بعض الكلام ، قال رؤبة بن العجّاج :
لواحق الأقراب فيها كالمقق (٢).
ونحو ذلك. والعلة فيه على ما ذكر أصحاب هذه الصناعة أن المكرر معرّض في أكثر أحواله للإدغام ، لأنك تقول : فرس أمقّ ، والحرفان المتجاوران لا يمكن إدغام أحدهما في الآخر ، حتى يتكلف قلبه إلى لفظه ثم يدغم ، فكانت المشقة فيه أغلظ ، فرفض لذلك ، وهذا وجه صالح.
__________________
(١) نوع من نبات الصحراء.
(٢) ديوان رؤبة بن العجاج ص ١٠٦ ، وصدره :
قبّ من التعداد حقب في سوق
لواحق الأقراب : خماص البطون. والمقق : الطول.