لنا قراءة الحرميّين وأبي بكر (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١١]
______________________________________________________
ويمكن أن يجاب عنه بأن قوله خلافا للكوفيين يرجع إلى صدر المسألة فقط ، وهو قوله أن تكون مخففة من الثقيلة ، فإن قلت : قوله لنا قراءة الحرميين وأبي بكر يدفعه ، فإن دليله المذكور منصوب لجواز الإعمال وذلك مقتض لأن يكون الإعمال هو المتنازع فيه دون التخفيف ، قلت : يلزم من الإعمال كونها مخففة ، فقد تضمن الدليل رد القول بأنها النافية لا المخففة ، وقد أجاد المصنف في التعبير عن هذا المقصود في الكلام ، على أن المشددة فيما يأتي فقال هناك : وتخفف فتعمل قليلا وتهمل كثيرا ، وعن الكوفيين أنها لا تخفف وأنه إذا قيل : إن زيد لمنطلق فإن نافية واللام بمعنى إلا ، فإن قلت : على ما ذا انتصب قوله خلافا؟ قلت : يجوز فيه وجهان :
أحدهما أن تكون مصدر خالف أي : خالفوا في ذلك خلافا كما أن قولك : يجوز كذا اتفاقا أو إجماعا بتقدير اتفقوا على ذلك اتفاقا ، وأجمعوا عليه إجماعا ، فإن قلت : فما هذه اللام الواقعة بعد خلافا فإنها لا يصح تعليقها بهذا المصدر ، إذ هو مؤكد لا بفعله إذ هو متعد بنفسه؟
قلت : هي لام التبيين مثلها في سقيا لك فيتعلق بمحذوف أي : إرادتي للكوفيين.
وثانيهما أن يكون حالا والتقدير أقول ذلك خلافا للكوفيين أي مخالفا لهم وحذف القول كثير جدا حتى قال أبو علي الفارسي : هو من حديث البحر قل ولا حرج ، ودل على هذا المحذوف أن كل حكم جزم به المصنفون فهم قائلون به ، فكان القول مقدرا قبل كل مقالة ، وكذا قال المصنف في بعض تعاليقه (لنا) : أيها القائلون بالإعمال (قراءة الحرميين وأبي بكر وإن كلا لما ليوفينهم) بنصب كلا وهو ظاهر في إعمال إن المخففة ، وليست قراءة هؤلاء القراء الثلاثة هذه الآية متفقة من كل وجه ، فإنهما يقرآن بتخفيف النون والميم من إن ولما ، وأما أبو بكر فيقرأ بتخفيف النون وتشديد الميم ، فلو اقتصر المصنف على قوله وإن كلا لصح ، وأما مع تلاوته لبقية الآية فيشكل بأنه لا يصح نسبة القراءة إلى الثلاثة قطعا ، سواء شددت ميم لما أو خففت ، ثم قد قال المصنف في حرف اللام حيث تكلم على لما : وأما قراءة أبي بكر بتخفيف النون وتشديد الميم فتحتمل وجهين:
أحدهما أن تكون مخففة من الثقيلة ويأتي في لما تلك الأوجه.
والثاني : أن تكون نافية وكلا مفعول بإضمار أرى ولما بمعنى إلا ، انتهى كلامه ، فأنت تراه قد اعترف باحتمال الوجهين لم يرجح أحدهما على الآخر ، فكيف يتأتى له الاستدلال بهذه القراءة مع قيام الاحتمال الذي ذكره؟ ثم للكوفيين أن يجيبوا عن قراءة الحرميين بمثل ذلك ، فيقولوا : لا نسلم أن كلا منصوب بأن وإنما هو منصوب بفعل محذوف ، واللام بمعنى إلا على ما هو معروف من مذهبهم ، فإن قلت : يترجح مذهب البصريين لسلامته من الحذف الذي ارتكبه