١٢١ ـ إنّ محلّا وإنّ مرتحلا |
|
وإنّ في السّفر إذ مضوا مهلا |
أي : إنّ لنا حلولا في الدنيا ، وإن لنا ارتحالا عنها إلى الآخرة ، وإنّ في الجماعة الذين ماتوا قبلنا إمهالا لنا ، لأنهم مضوا قبلنا وبقينا بعدهم. وإنما يصح ذلك كلّه على القول بأن «إذ» التعليلية حرف كما قدّمنا.
والجمهور لا يثبتون هذا القسم ، وقال أبو الفتح : راجعت أبا علي مرارا في قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) [الزخرف : ٣٩] الآية ، مستشكلا إبدال «إذ» من «اليوم» ، فآخر ما تحصّل منه أن الدنيا والآخرة متّصلتان ، وأنهما في حكم الله تعالى سواء ، فكأن اليوم ماض أو كأن «إذ» مستقبلة ، انتهى.
وقيل : المعنى إذ ثبت ظلمكم ،
______________________________________________________
إن محلا وإن مرتحلا |
|
وإن في السفر إذ مضوا مهلا) (١) |
السفر جماعة المسافرين وسافر وسفر كصاحب وصحب وراكب وركب ، والسافر هو الذي خرج للسفر ، والمهل بفتح الهاء التؤدة وعدم العجلة (أي : إن لنا حلولا في الدنيا وإن لنا ارتحالا عنها) فجعل كلا من المحل والمرتحل مصدرا ميميا ، (وإن في الجماعة الذين ماتوا قبلنا إمهالا لنا ؛ لأنهم مضوا قبلنا وبقينا بعدهم) فتحقق الإمهال إذ لم نمض معهم ، (وإنما يصح ذلك كله على القول بأن إذ التعليلية حرف كما قدمنا ، والجمهور لا يثبتون هذا القسم) ، وعدم الصحة في تينك الآيتين آية الأحقاق وآية الكهف قد يظهر للتنافي بين المضي والاستقبال.
وأما في البيتين فكون التعليلية هما ليست بظرف محل نظر.
(وقال أبو الفتح) ابن جنى : (راجعت أبا علي) الفارسي (مرارا في قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ) [الزخرف : ٣٩] الآية مستشكلا إبدال إذ من اليوم فآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان ، وأنهما في حكم الله تعالى سواء فكأن اليوم ماض أو كأن إذ مستقبلة اه) ، فأما كون اليوم المستقبل في حكم الماضي فظاهر ؛ لأنه من تنزيل المستقبل المحقق الوقوع منزلة ما قد وقع تنبيها على تحقق الوقوع ، وأما كون الماضي الذي وقع وانفصل ينزل منزلة المستقبل المنتظر ففيه نظر ، (وقيل : المعنى إذ ثبت ظلمكم) عندكم ، وثبوت ظلمهم عندهم يكون يوم القيامة ، فكأنه قيل : وإن ينفعكم اليوم إذ صح ظلمكم عندكم ، فهو بدل ولا إشكال ؛ لأن إذ
__________________
(١) البيت من البحر المنسرح ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٢٨٣ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٥٢ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٢٩.