ومعنى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ) [التوبة : ٤٠] واحد من اثنين ، فكيف يعمل في الظرف وليس فيه معنى فعل؟ وقد يجاب بأنّ تقارب الأزمنة ينزّلها منزلة المتّحدة ، أشار إلى ذلك أبو الفتح في المحتسب ، والظرف يتعلّق بوهم الفعل وأيسر روائحه.
وقد يحذف أحد شطري الجملة ، فيظنّ من لا خبرة له أنها أضيفت إلى المفرد ، كقوله [من البسيط] :
١٢٣ ـ هل ترجعنّ ليال قد مضين لنا |
|
والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا؟ |
والتقدير : إذ ذاك كذلك ،
______________________________________________________
من الباب الخامس ، (ومعنى ثاني اثنين) وكان ينبغي نصبه إن قصد حكاية ثاني اثنين الواقع في الآية (واحد من اثنين فكيف يعمل في الظرف وليس فيه معنى فعل ، وقد يجاب) عن هذا النظر (بأن تقارب الأزمنة ينزلها منزلة المتحدة أشار إلى ذلك أبو الفتح) ابن جنى (في) كتاب (المحتسب) بفتح السين ، وكأنه أراد بذلك ما قدمه عنه من قوله : راجعت أبا علي مرارا في قوله : تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ) [الزخرف : ٣٩] الآية مستشكلا إبدال إذ من اليوم فآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وأنهما في حكم الله تعالى ، سواء فكان اليوم ماض أو كان إذ مستقبلة وبهذا يخرج الجواب الذي ذكره فإن زمن كونهما في الغار ، وزمن قوله لصاحبه قريبان من زمن الإخراج فنزلا منزلته وجعل الكل في حكم المتحد (والظرف) كما يجيء في الباب الثالث (يتعلق بوهم الفعل وأيسر روائحه) فيصح تعلقه في الآية بثاني اثنين وإن كان بمعنى واحدا من اثنين لما يتوهم فيه من معنى الثني ، فكأنه مشتق من قولك ثنيت (وقد يحذف أحد شطري الجملة) التي تضاف إذ إليها ولا يظهر الإعراب (فيظن من لا خبرة له) بالحكم المقرر في إذ (أنها أضيفت إلى المفرد كقوله :
هل ترجعن ليال قد مضين لنا |
|
والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا) (١) |
فيظن الظان أن ذاك في محل جر بإضافة إذ إليه ، فيلزم أن تكون مضافة إلى مفرد وليس كذلك ، بل ذاك في محل رفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف ، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليه (والتقدير : إذ ذاك كذلك) ، والأفنان إما جمع فنن بفتح العين وهو الغصن الملتف أو جمع فن وهو الحال ، والضرب من الشيء وهو منصوب على الحال من ليال ، وإن كانت نكرة لتخصيصها ، وعامل إذ منقلب واسم الإشارة الأول يرجع إلى العيش باعتبار حاله ، والثاني
__________________
(١) البيت من البحر البسيط ، وهو بلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٩٥ ، والدرر ٣ / ٩٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٥.