(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة : ١١] ، وقوله [من الوافر] :
١٣٤ ـ وندمان يزيد الكأس طيبا |
|
سقيت إذا تغوّرت النّجوم |
______________________________________________________
الزمان الماضي فتكون إذا له وتولوا جوابها ، وقلت إما حال من كاف أتوك أو استئناف ، كأنه قيل : إذا ما أتوك لتحملهم تولوا فقيل : ما لهم تولوا باكين فقيل قلت : لا أجد ما أحملكم عليه إلا أنه توسط معترضا بين الشرط والجزاء ، قال شارح «التسهيل» القاضي محب الدين ناظر الجيش : ويمكن أن يقال في هذه الآية المراد حكاية حالهم حين ابتدؤا في الفعل ، وإذا كان كذلك كان المحل حينئذ موقع إذا ، دون إذ ، قلت : إنما يكون المحل ؛ لإذا حيث يكون المراد الاستقبال ، والمعنى على ما أول به على الحال فالموقع ليس لإذا في هذا المحل ؛ لأنها للاستقبال لا للحال (وذلك كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) [الجمعة : ١١]) وهذا إخبار بقضية العير التي قدمت المدينة والنبي صلىاللهعليهوسلم يخطب يوم الجمعة فتفرقوا عنه حتى لم يبق معه منهم إلا اثني عشر رجلا (١) ، وقد مضت هذه الواقعة قبل نزول الآية ، فتكون إذا فيها للماضي ، وحاول ناظر الجيش أيضا الجواب عن الاستدلال بهذه الآية على ذلك ، فقال : المراد منها حكاية ما كانوا عليه وما هو شأنهم وديدنهم ، فالمعنى حال هؤلاء أنهم إذا رأوا تجارة أو لهوا كان منهم ما ذكر ، ولو أتى بإذ في هذا المحل لصار المعنى الإخبار عن واقعة وقعت منهم ، ولا يلزم من الإخبار بذلك أن يكون ذلك من شأنهم ، قلت لا نسلم أن المراد الإخبار بأن ذلك شأنهم وديدنهم فإن هذا ذم بليغ ، وكيف وهم الصحابة الذين هم خير القرون بشهادة الصادق المصدوق ، ولا يليق بهم اعتياد مثل هذا الفعل الذي اتخذوه عادة وديدنا من الخصال الذميمة القبيحة ، وإنما المراد الإخبار عن أمر وقع منهم على سبيل الندرة ، لا أنه عادتهم المستمرة فالمحل إذا محل الماضي لا محل الزمن المستمر ، التي تستعمل إذا فيه في بعض الأحيان كما في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (١١) [البقرة : ١١] وقوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) [البقرة : ٧٦] أي : هذه عادتهم المستمرة ، وهذا شأنهم الذي لا ينفكون عنه (وقوله :
وندمان يزيد الكاس طيبا |
|
سقيت إذا تغورت النجوم) (٢) |
__________________
(١) الحديث أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب إذا نفر الناس عن الإمام ... (٩٣٦) ، ومسلم ، كتاب الجمعة ، باب في (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً) (٨٦٣) ، والترمذي ، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، باب ومن الجمعة (٣٣١١).
(٢) البيت من البحر الوافر ، وهو للبرج بن سهر (أو الحلاس) في الأغاني ١٤ / ١٢ ، ولسان العرب ١٠ / ٢٤٣.