فإذا استوى التقديران في المجازيّة ، فالأكثر استعمالا أولى بالتّخريج عليه ، كـ «مررت بزيد ، ومررت عليه» وإن كان قد جاء كما في (لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ) [الصافات : ١٣٧] ، (يَمُرُّونَ عَلَيْها) [يوسف : ١٠٥] [من الكامل] :
______________________________________________________
وهذا مثال للاستعلاء المجازي فإن المراد بالندى الجود ، وبالمحلق صاحب تلك النار وهو بكسر اللام ، واليفاع بمثناة تحتية مفتوحة وفاء المكان المرتفع ، وتشب توقد والمقرور الذي أصابه القر وهو البرد ، والمراد بالمقرورين هنا الندى والممدوح ، والاصطلاء الاستدفاء بالنار والمحلق المذكور هو عبد العزيز بن حفص ، من ولد أبي بكر بن كلاب من بني عامر كان رجلا فقيرا وله بنات كثيرة لا يتزوجهن أحد من قومه ؛ لفقرهن فخرج المحلق من بينهم ونزل في مغارة فمر بها الأعشى ليلا فرأى نار المحلق فقصدها ونزل به ، فنحر له ناقة ليس له غيرها فلما أصبح قال له الأعشى : هل لك إليّ حاجة فقال نعم أن تمدحني بقصيدة وتنشدها في نادي قومي فلعلهم يتزوجون بناتي فامتدحه الأعشى بالقصيدة التي منها هذان البيتان ، وأنشدها في ناديهم فتنافسوا في بنات المحلق وخطبوهن إليه حتى لم يبق عنده منهن واحدة ، وما أحسن قول شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني يضمن صدر البيت الثاني الذي أنشدناه :
وأهيف فاق الورد حسنا بوجنة |
|
أنزه طرفي في رياض جنانها |
كان بها من حول خالية جمرة |
|
تشب لمقرورين يصطليانها |
(فإذا استوى التقديران في المجازية) فإن جعل الباء للإلصاق في المثال المذكور ليس حقيقيا ضرورة أن المرور لم يلتصق بزيد ، وإنما التصق بملابسه وهو المكان الذي يقرب منه ، وجعل الباء للاستعلاء ليس حقيقيا أيضا ضرورة أن المرور لم يكن فوق زيد ، فقد استوى التقديران المذكوران في المجازية (فالأكثر استعمالا) وهو الإتيان بالباء في صلة هذا الفعل (أولى بالتخريج عليه) ؛ لئلا يلزم التجوز من وجهين استعمال الباء بمعنى على ، واستعمال على في غير الاستعلاء الحقيقي ، وما ذكره الجماعة ليس فيه إلا تجوز واحدا وهو استعمال الباء للإلصاق فيما لا يفضي إلى نفس المجرور (ومررت عليه وإن كان قد جاء) في الفصيح (نحو (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) ونحو (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) [يوسف : ١٠٥] ، نحو (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) ونحو قول الشاعر: