أولها : الإلصاق ، قيل : وهو معنى لا يفارقها ، فلهذا اقتصر عليه سيبويه ، ثم الإلصاق حقيقيّ كـ «أمسكت بزيد» إذا قبضت على شيء من جسمه ، أو على ما يحبسه من يد أو ثوب ونحوه ؛ ولو قلت : «أمسكته» احتمل ذلك أن تكون منعته من التصرف ؛ ومجازيّ نحو : «مررت بزيد» أي ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد. وعن الأخفش أن المعنى مررت على زيد ، بدليل (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) (١٣٧) [الصافات : ١٣٧]. وأقول : إن كلّا من الإلصاق والاستعلاء إنما يكون حقيقيّا إذا كان مفضيا إلى نفس المجرور كـ «أمسكت بزيد ، وصعدت على السّطح» فإن أفضى إلى ما يقرب منه فمجاز كـ «مررت بزيد» في تأويل الجماعة ، وكقوله [من الطويل] :
١٤١ ـ [تشبّ لمقرورين يصطليانها] |
|
وبات على النّار النّدى والمحلّق |
______________________________________________________
أولها الإلصاق قيل : وهو معنى لا يفارقها) في شيء من موارد استعمالها ، فظهر بذلك أنه معناها الأصلي الموضوعة هي له ؛ (فلهذا اقتصر عليه سيبويه) ولم يذكر غيره قال : وإنما هي للإلصاق والاختلاط ، ثم قال : فما اتسع من هذا في الكلام فهذا أصله (ثم الإلصاق حقيقي كأمسكت بزيد إذا قبضت على شيء من جسمه ، أو على ما يحبسه) أي على شيء يحبس زيدا ، أو على الذي يحبس زيدا (من ثوب ونحو ، ولو قلت : أمسكته احتمل ذلك ، وأن يكون منعته من التصرف) ولا خفاء في أن الإلصاق بزيد حيث يقبض على شيء من جسمه حقيقي ، وأما في الثاني بحيث تمسك بما هو لابسه من ثوب ونحوه فالظاهر أن الإلصاق فيه مجازي لا حقيقي ؛ إذ القبض على ثوبه ليس قبضا عليه نفسه حتى يكون الإلصاق حقيقيا ، وإنما هو إلصاق بما يجاوره ويقرب منه ، فجعل إلصاق الإمساك بالثوب إلصاقا بزيد مجازا لما بينهما من المجاورة (ومجازي نحو مررت بزيد أي : ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد ، وعن الأخفش أن المعنى مررت على زيد) فالباء عنده في نحو هذا المثال ليست للإلصاق ، وإنما هي للاستعلاء كعلى (بدليل (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) (١٣٧) [الصافات : ١٣٧]) وفيه نظر قرره المصنف بقوله : (وأقول : إن كلا من الإلصاق والاستعلاء إنما يكون حقيقيا إذا كان مفضيا إلى نفس المجرور ، كأمسكت بزيد) إذا قبضت على شيء من جسمه (وصعدت على السطح ، فإن أفضى إلى ما يقرب منه فمجاز كمررت بزيد في تأويل الجماعة) وهذا مثال للإلصاق المجازي (وكقوله) أي قول الأعشى :
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة |
|
إلى ضوء نار في يفاع تحرق |
تشب لمقرورين يصطليانها |
|
(وبات على النار الندى والمحلق) (١) |
__________________
(١) البيتان من البحر الطويل ، وهما للأعشى في ديوانه ص ٢٧٥ ، والأغاني ٩ / ١١١ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٤٤ ، ـ ـ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ١١٩.