السبب. وقال ابن الشّجري في : (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٥٢] : هو كقولك : «أجبته بالتّلبية» ، أي : فتجيبونه بالثناء ، إذ الحمد الثناء ، أو الباء للمصاحبة متعلّقة بحال محذوفة ، أي : معلنين بحمده ، والوجهان في (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [النصر : ٣].
والسادس : الظرفية ، نحو : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) [آل عمران : ١٢٣] ، (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر : ٣٤].
______________________________________________________
السبب) المحذوف ، وهو المعونة التي هي نعمة من الله توجب حمده على العبد المنعم عليه (وقال ابن الشجري في) قوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) (٥٢) [الإسراء : ٥٢] (هو كقوله : أجبته بالثناء) والاستجابة والإجابة بمعنى قال الشاعر :
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا |
|
فلم يستجبه عند ذاك مجيب (١) |
(أي فيجيبونه بالثناء إذ الحمد هو الثناء) فتكون الباء متعلقة بتستجيبون على أنها للاستعانة (أو الباء للمصاحبة) بمعنى مع (متعلقة بحال محذوفة) فيكون الظرف مستقرا ، والمعنى فتستجيبون ملتبسين بحمده ، والمراد بهذا الالتباس بحسب القرينة الإعلان (أي : معلنين) أصواتكم (بحمده والوجهان في (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)) أي : جواز كون الباء للاستعانة وكونها للمصاحبة ، وهذا من مقول ابن الشجري ، فلا يقال : إنه تكرار محض لما تقدم فلا فائدة فيه.
(والسادس) من المعاني الأربعة عشر (الظرفية) وعلامتها أن يحسن وقوع كلمة في موقعها (نحو (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) [آل عمران : ١٢٣]) وهذا مثال للظرف المكاني وبدر اسم ماء بين مكة والمدينة ، كان لرجل اسمه بدر فسمي به ونحو (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر : ٣٤] أي : في سحر وهو الوقت الذي قبيل طلوع الفجر ، وهذا مثال للظرف الزماني ومنه (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ٣٧ وَبِاللَّيْلِ) [الصافات : ١٣٧ ـ ١٣٨] وهي كثيرة في الكلام ، فإن قلت : هل تقع للظرفية المجازية قلت : قال العزيزي في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) (٣٦) [القمر : ٣٦] أي : شكوا فيها وقال المصنف في حواشيه على «التسهيل» لا أعرف مجيء الباء للظرفية المجازية في غيره ، فإن صح قوله في الآية لتعين المعنى الذي ذكره فيكون سماعا إذ لا يقال : بزيد خير ولا بعمرو أدب ، كما يقالان بفي التي هي أصلية في الظرفية فتقبل التجوز ، قلت : وقد أجيز في قوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (٦) [القلم : ٦] على رأي الأخفش أن تكون الباء ظرفية أي : في أيكم الفتنة وهي مجازية ، وأجيز في قولهم لا خير بخير بعده النار ، كونها ظرفية على جهة المجاز.
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لكعب بن سعد الغنوي في الأصمعيات ص ٩٦ ، ولسان العرب ١ / ٢٨٣ (جوب) وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١١ / ٢١٩.