قيل : ومنه (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] والظاهر أن الباء فيهنّ للإلصاق ، وقيل : هي في آية الوضوء للاستعانة ، وإن في الكلام حذفا وقلبا ؛ فإنّ «مسح» يتعدّى إلى المزال عنه بنفسه ، وإلى المزيل بالباء ؛ فالأصل : امسحوا رؤوسكم بالماء ،
______________________________________________________
بالفتح والقرون جمع قرن وهي الخصلة من الشعر ، والنزيف السكران وفيه أيضا الحشرج حسى يكون في حصى ، نقله عن ابن السكيت ، وأنشد بيت جميل هذا وقال في باب الواو والياء : والحسى بالكسر ما تنشفه الأرض من الرمل ، فإذا صار إلى صلابة أمسكته فتحفر عنه الرمل فتستخرجه ، ومعنى البيت أنى قبلتها ممسكا بخصل شعرها شاربا ريقها شربا مثل شرب السكران من الماء البارد ، الذي يستخرج من ذلك المكان.
(قيل : ومنه) قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] أي : ببعض رؤوسكم فيتأدى الواجب بأدنى ما ينطلق عليه الاسم وهذا مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه (والظاهر أن الباء فيهن) أي : في الأمثلة التي ساقها برمتها آية الوضوء وغيرها (للإلصاق) وهو معناها الحقيقي المشهور ، فلا تجعل لغيره إلا بثبت لا سيما وقد أنكر ابن جني وجماعة ورود الباء للتبعيض ، وتأولوا ما يوهمه قال ابن قاسم واعترض بعضهم كلام ابن جني ، وقال : هو شهادة على نفي وهي غير مقبولة.
وأجيب : بأن الشهادة على النفي ثلاثة أقسام معلومة نحو إن العرب لم تنصب الفاعل ، وظنية عن استقراء صحيح نحو ليس في كلام العرب اسم متمكن آخره واو لازمة قبلها ضمة ، وشائعة غير منحصرة نحو لم يطلق زيد امرأته من غير دليل ، فهذا هو المردود وكلام ابن جني من الثاني ؛ لأنه شديد الاطلاع على كلام العرب انتهى ، قلت : وفيه نظر ؛ لأن غيره من الأئمة مثبت وهو ناف وفي «الكشف» أن عبد القاهر نقل عن مالك رضي الله تعالى عنه أن الباء في الآية المذكورة صلة أي : زائدة للتأكيد كما في قوله : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] وقوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] أي : لا تلقوا أيديكم وإذا كانت مزيدة وجب مسح الكل ، كما لو قيل وامسحوا رؤوسكم قال : وما قدمناه وإن كان فيه عمل بالمجاز إلا أنه أحوط ، لأن فيه الخروج عن العهدة بيقين فكان الأخذ به أولى على أنا إن عملنا بحقيقتها فذلك يوجب الاستيعاب أيضا ؛ لأن الباء للإلصاق حقيقة وقد ألصق المسح بالرأس وهو اسم لكله لا لبعضه ، فيقتضي مسح جميع الرأس إلى هنا كلامه ، (وقيل : هي في آية الوضوء للاستعانة وإن في الكلام حذفا وقلبا ؛ فإن مسح يتعدى إلى المزال عنه بنفسه) والرؤوس مزال عنها الحدث المقدر قيامه بها ، فكان القياس أن يتسلط عليها فعل المسح بدون باء (وإلى المزيل بالباء) وهو هنا الماء الذي يمسح الرؤوس به ، فالقياس أن يعدي الفعل المذكور بالباء وإذا كان كذلك (فالأصل امسحوا رؤوسكم بالماء)