وأما إذا قيل بأنه أمر لفظا ومعنى ، وإن فيه ضمير المخاطب مستترا فالباء معدّية مثلها في «امرر بزيد».
والغالبة في فاعل «كفى» ، نحو : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الرعد : ٤٣] ؛ وقال الزجاج : دخلت لتضمّن «كفى» معنى : اكتف ، وهو من الحسن بمكان ، ويصحّحه قولهم : «اتّقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه» ، أي : ليتّق وليفعل ، بدليل جزم «يثب» ؛
______________________________________________________
بزيد لزمه أن يرفع على مذهب الجمهور وأن ينصب على قول الفراء ، وسيأتي تقرير قوله.
واعلم أنه استضعف مذهب الجمهور من ثلاثة أوجه :
أحدها : استعمال الأمر بمعنى الماضي وهو مما لم يعهد بل جاء الماضي بمعنى الأمر نحو اتقى الله مرؤ فعل خيرا يثب عليه.
والثاني : استعمال أفعل بمعنى صار كذا نحو أغد البعير أي صار ذا غدة وهو قليل.
والثالث : زيادة الباء في الفاعل (وأما إذا قيل بأنه أمر لفظا ومعنى وأن فيه ضمير المخاطب مستترا فالباء معدية مثلها في امرر بزيد) وليست زائدة كما يقول أولئك الجماعة ، وهذا هو قول الفراء وتبعه الزمخشري وابن خروف ، فأحسن عندهم أمر لكل أحد بأن يجعل زيدا حسنا ، وإنما يجعله كذلك بأن يصفه بالحسن ، فكأنه قيل صفه بالحسن كيف شئت ؛ فإن فيه منه كل ما يمكن أن يكون كما قال :
وقد وجدت مكان القول ذا سعة |
|
فإن وجدت لسانا قائلا فقل (١) |
وهذا معنى مناسب للتعجب بخلاف تقدير سيبويه ، وإنما لم يتصرف افعل وإن كان المخاطب به غير مفرد مذكر ؛ لأنه جرى مجرى المثل.
(والغالبة في فاعل كفى) قال ابن قاسم : بمعنى أحسب (في نحو (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الإسراء : ٩٦] وقال الزجاج : دخلت لتضمن كفى) وفي بعض النسخ لتضمن الفعل (معنى اكتف) كأنك قلت : اكتف بالله شهيدا فليس المجرور فاعلا في المعنى ولا الباء زائدة (وهو) أي : ما قاله الزجاج في ذلك (من الحسن بمكان) رفيع (ويصححه قولهم : اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه ، أي : ليتق وليفعل) فاستعمل الماضي هنا بمعنى الأمر كما في كفى من (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) على قول الزجاج (بدليل جزم يثب) ولو لا أن ما سبق عليه في معنى الأمر لم يكن لجزمه وجه ، كما أنك لو قلت مخبرا : قام زيد لم يجز أن تقول أكرمه بالجزم على أنه جواب
__________________
(١) البيت من البحر البسيط ، وهو للمتنبي في المستطرف ١ / ٤٩٧.