ويوجبه قولهم : «كفى بهند» بترك التاء ، فإن احتج بالفاصل فهو مجوّز لا موجب ، بدليل : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ) [الأنعام : ٥٩] ، (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ) [فصّلت : ٤٧] ؛ فإن عورض بقولك : «أحسن بهند» فالتاء لا تلحق صيغ الأمر ، وإن كان معناها الخبر. وقال ابن السراج : الفاعل ضمير الاكتفاء ، وصحّة قوله موقوفة على جواز تعلّق الجارّ بضمير المصدر ، وهو قول الفارسي والرمانيّ ، أجازا : «مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح».
______________________________________________________
وتقول : ليقم زيدا أكرمه بالجزم (ويوجبه) أي يوجب المصير إلى ما قاله الزجاج من أن كفى ضمن معنى اكتف (قولهم كفى بهند بترك التاء) التي يؤتى بها لتأنيث الفاعل ؛ فإنه لو لا أن الفعل هنا بمعنى الأمر لقيل كفت بهند ولا يقال (فإن احتج) لترك الإتيان بعلامة التأنيث (بالفاصل) أي : بوجود الفاصل وهو الباء الزائدة (فهو مجوز لا موجب ، بدليل (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ) [الأنعام : ٥٩] (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ) [فصلت : ٤٧]) بتأنيث الفعل مع وجود الفاصل ، وهو من الزائدة فدل ذلك على بطلان الاحتجاج بالفاصل في كفى بهند إذ التأنيث فيه ممتنع ، والفاصل لا يمنعه (فإن عورض) هذا الذي ردد بابه من أن الفاصل يجوز ترك التأنيث ولا يوجبه (بقولك أحسن بهند) فإن أحسن بمعنى أحسن الذي هو فعل ماض والباء فاصلة ، والتأنيث ممتنع فثبت أن الفاصل قد يوجب ترك التأنيث في بعض الصور ، فليكن كفى بهند من هذا القبيل (فالتاء) التي تدخل للدلالة على تأنيث الفاعل (لا تلحق صيغ الأمر وإن كان معناه الخبر) فلذلك امتنع التأنيث في أحسن بهند ؛ رعاية لصيغة الأمر وهذا بخلاف كفى بهند فإن الفعل فيه ماض فلا مانع من لحاق العلامة ولو كان معناه الخبر.
(وقال ابن السراج : الفاعل) في نحو : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء : ٧٩] ليس الاسم الظاهر ، وإنما هو (ضمير الاكتفاء) ففي قولك كفى ضمير يعود إلى الاكتفاء المفهوم من المقام (وصحة قوله موقوفة على جواز تعلق الجار بضمير المصدر) وكذا قال غير المصنف ، قلت : وهو ممنوع لجواز كون الجار متعلقا على قوله بمحذوف لا بضمير المصدر ، والمعنى كفى هو أي : الاكتفاء في حال كونه ملتبسا بالله (وهو) أي تعلق الجار بضمير المصدر (قول الفارسي والرماني : أجازا مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح) واستدلا على ذلك بقول زهير :
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم |
|
وما هو عنها بالحديث المرجم (١) |
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٨ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٠ ، والدرر ٥ / ٢٤٤ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٤٧٣.