وأجاز الكوفيون إعماله في الظرف وغيره ، ومنع جمهور البصريّين إعماله مطلقا ، قالوا : ومن مجيء فاعل «كفى» هذه مجرّدا عن الباء قول سحيم [من الطويل] :
١٥١ ـ [عميرة ودّع إن تجهّزت غازيا] |
|
كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا |
ووجه ذلك ـ على ما اخترناه ـ أنه لم يستعمل «كفى» هنا بمعنى : اكتف.
ولا تزاد الباء في فاعل «كفى» التي بمعنى : «أجزأ» و «أغنى» ، ولا التي بمعنى «وقى» ، والأولى متعدّية لواحد كقوله [من الوافر] :
١٥٢ ـ قليل منك يكفيني ، ولكن |
|
قليلك لا يقال له قليل |
______________________________________________________
(وأجاز الكوفيون إعماله في الظرف وغيره) نظرا إلى أن الضمير هو مفسره بحسب المعنى ، والمفسر يعمل فكذا المفسر فيجوز عندهم ضربك زيدا حسن ، وهو عمرا قبيح وضربك عمرا ، ولم أقف لذا على شاهد (ومنع جمهور البصريين إعماله مطلقا) أي : سواء كان المعمول ظرفا أو غيره لحصول الضعف بالإضمار من جهة زوال حروف الفعل ، التي كان عمل المصدر بسبب وجودها فيه فيشبه الفعل حينئذ ، وبزوال حروفه بالإضمار زال التشبيه فامتنع العمل (قالوا) أي قال الذين ذهبوا إلى أن فاعل كفى تزاد فيه الباء غالبا (ومن مجيء فاعل كفى هذه) في نحو (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (مجردا عن الباء قول سحيم) بالسين والحاء المهملتين ، وكأنه تصغير ترخيم وهو الأسود.
(كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا) (١)
وكان الجاري على الغالب أن يقال كفى بالشيب ، وكأن المصنف لم يرتضه ولذلك عبر بقالوا (ووجه ذلك) أي : تجريد فاعل كفى في قول سحيم من الباء (على ما اخترناه) من أن الباء في كفى بالله غير زائدة ، وإنما جاءت لكون كفى بمعنى اكتف (أنه) أي : أن سحيما (لم يستعمل كفى بمعنى اكتف) وإنما استعملها بمعناها الأصلي متضمنة لمعنى اكتف ، فلذلك لم تدخل الباء على الفاعل (ولا تزاد الباء في فاعل كفى الذي بمعنى أجزأ وأغنى) وكأن هذا هو معناها الأصلي قبل الضمير ، فهي في بيت سحيم مستعملة بهذا المعنى أي أجزأ الشيب (ولا التي) أي : ولا تزاد الباء أيضا في فاعل كفى التي (بمعنى وقى) أي : منع (والأولى) وهي التي بمعنى أجزأ وأغنى (متعدية لواحد كقوله :
قليل منك يكفيني ولكن |
|
قليلك لا يقال له قليل) (٢) |
__________________
(١) عجز بيت من البحر الطويل ، صدره : عميرة ودع إن تجهزت غازيا ، وهو لعمر بن الخطاب في البيان والتبيين ١ / ٥٢.
(٢) تقدم تخريجه.