ولهذا قيل في : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦] إنّ «فعّالا» ليس للمبالغة بل للنسب كقوله [من الطويل] :
١٦٤ ـ [وليس بذي رمح فيطعنني به] |
|
وليس بذي سيف وليس بنبّال |
أي : وما ربّك بذي ظلم ؛ لأنّ الله لا يظلم الناس شيئا. ولا يقال : لقيت منه أسدا أو بحرا أو نحو ذلك إلا عند قصد المبالغة في الوصف بالإقدام أو الكرم.
والسادس : التوكيد بـ «النفس» و «العين» ، وجعل منه بعضهم قوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) [البقرة : ٢٢٨] ، وفيه نظر ؛ إذ حق الضمير المرفوع المتّصل المؤكد بـ «النفس» أو بـ «العين» أن يؤكّد أوّلا بالمنفصل ، نحو : «قمتم أنتم أنفسكم» ،
______________________________________________________
(وَعُمْياناً) [الفرقان : ٧٣] أنه نفي للصمم والعمى وإثبات للخرور هذا هو الأكثر ، وقد يقصد نفي الفعل والقيد جميعا بمعنى انتفاء كل من الأمرين فيكون قولك : ما جئت راكبا بمعنى لا مجيء ولا ركوب ، (ولهذا قيل في (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) إن فعالا هنا ليس للمبالغة) ؛ لئلا يتسلط النفي على شدة الظلم وكثرته فقط ، فيثبت أصل الظلم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، (وإنما هو للنسب كقوله) أي قول امرىء القيس :
(وليس بذي سيف وليس بنبال) (١)
أي بذي نبل فتخرج الآية عليه (أي : وما ربك بذي ظلم) فينتفي الظلم رأسا ، (ولا يقال : لقيت منه أسدا أو بحرا أو نحو ذلك إلا عند قصد المبالغة في الوصف) بالإقدام والشجاعة في قولك : رأيت منه أسدا ، (والكرم) في قولك : رأيت منه بحرا.
(والسادس) من محال زيادة الباء (التأكيد بالنفس والعين) نحو : جاء زيد بنفسه وذهب عمرو بعينه ، ولم يحكوا خلافا في جواز زيادة الباء في ذلك ، لكن وقع في شرح «الملحة» للحريري أجاز بعضهم زيادة الباء في النفس والعين ، فأشعر بخلاف في ذلك ، (وجعل منه بعضهم) (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] (وفيه نظر إذ حق الضمير المرفوع المتصل المؤكد بالنفس أو العين أن يؤكد أولا بالمنفصل ، نحو قمتم أنتم أنفسكم) وليس حقه ذلك على التعيين ، بل حقه أحد أمرين إما التأكيد وإما الفصل ، نص عليه أبو حيان في «الارتشاف» فيصح أن يقال : جئتم يوم الجمعة نفسكم ، ويمكن هنا أن يقال اكتفى بالباء الزائدة
__________________
(١) عجز بيت من البحر الطويل ، صدره : وليس بذي رمح فيطعنني به ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٣ ، ولسان العرب ١١ / ٦٤٢ (نبل) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٣٣٩.